الدكتور سهيل الصويص –
الأول نيوز – منذ أسابيع بدأت تطول الليالي على الأردني تمر ببطىء يتقلب والقلق والخوف واليأس والكاَبة تنخر تفكيره يحاول أن يبصر ضوءاً ولو خافتاً في نهاية النفق الذي وجد نفسه أسيراً داخله لكن دون جدوى ويحاول عبثاً أن يغمض عينيه فيبزغ عليه فجر جديد والأسئلة ذاتها تتكرر دون إجابات تخفف من ثقل همومه وتفكيره .
منذ ثمانية شهور فوجئنا بضيف دخل مضاربنا دون سابق انذار يواصل انتشاره في أحشائنا ويهلك أرواحنا دون تمييز فغدونا من أكثر الشعوب إصابة وفتكاً ولا بريق أمل بنهاية سعيدة قريبة .
يتساءل الأردني في ذروة القنوط لماذا يخفون علينا شرائح أعمار المتوفين وهل نحن بالفعل شبيهون بدول أوروبا حيث 77% من الوفيات تصيب الأعمار فوق 75 سنة و 15% من الوفيات تصيب ما بين 65 و 74 من العمر أم أن ذلك من المحرمات ونحن في الأردن لا نملك سوى 3.6% من السكان فوق سن ال 65 بينما 91.9% من الأردنيين تحت سن ال 55 ؟
لماذا ولأي دوافع غامضة لا يقولوا لنا بدقة أسباب الوفيات الحقيقية فيتساءل الأردني والشكوك تغمر مخيلته ألم تعد هناك وفيات سوى من الكورونا وفي الأردن 40.6% من الوفيات تسببها أمراض القلب و15.7% الأمراض الخبيثة و 8.7% الأسباب الخارجية والحوادث و 5.7% أمراض الغدد الصماء و 6.2% أمراض التنفس المزمنة فأين تبخرت هذه الأمراض ووفياتها وهي تشكل قرابة 80% من وفيات الأردنيين منذ سنوات ؟هل أصبح محظور علينا أن نعرف من يموت من ماذا ؟
يتساءل الأردني والشك يعصر تفكيره إن كان قد سهى عن مشاهدة نشرة الثامنة يوماً زفوا لنا خلالها نبأ تكثيف تأهيل الطاقم الطبي والتمريضي في مستشفياتنا وأقسام الإنعاش لتخفيض نسبة الوفيات المرتفعة وإنقاذ من تبقوا أحياء في بعض أقسام الإنعاش فلا يجد من جواب سوى صدى سؤاله ؟ والمستشفيات الميدانية هذه الفكرة الجيدة التي تناستها إدارة الصحة سبعة أشهر من سيشرف على مرضاها ؟ هل هم الثمانمائة ممرض الجدد الذين نبحث عن توظيفهم وهم في ريعان الحياة المهنية فهل سيكونوا كفؤين لتحمل المسؤولية وتقديم العناية والرعاية الكفيلة بتحسين حالة المصابين ؟
من سؤال لسؤال يتحول حوار الأردني مع نفسه إلى شكوك وغموض فلماذا يخدرونا بموضوع المطعوم الذي ما يزال مجهول التأثير والدراسات تصدمنا يوماً بعد يوم حول اَثاره الجانبية الخطرة ومن ثم بأي حق سنحصل عليه نحن قبل البلدان المصنعة وكم ستكون نسبة ” المحظوظين ” باللقاح يا ترى من بين عشرة ملايين أردني وبأي كلفة وكيف سيتم اختيارهم ؟
وتتواصل الأسئلة المليئة بالشكوك لنصل إلى النقطة المحيرة : لماذا غدوا يمطرونا في الأيام الأخيرة بأرقام إصابات غامضة مستغربة مثيرة للجدل؟ فما الذي جرى في 28 و29 نوفمبر حتى يقوموا بتخفيض نسبة الفحوص المخبرية إلى 17755 و 20676 في اليوم بل وخفضوا نسبة الفحوص الإيجابية إلى 17.5% و 17.4% لنصل بطبيعة الحال ودون سحر لأرقام إصابات منخفضة في هذين اليومين 3108 و 3598 إصابة بعد أن كانت الإصابات بين 23 -27 نوفمبر بالمعدل الذي اعتدنا عليه منذ أربعة أسابيع 4981-4586-5025-5000-4580 إصابة في اليوم الواحد وذلك دون استغراب وغموض حيث كانت عدد الفحوص المخبرية في هذه الأيام بالترتيب 25348-24664-27098-25964-26257 فحص في اليوم الواحد وهل بهذه الطريقة سنكسب مصداقية منظمة الصحة العالمية أو هل سيخفف ذلك من مصاب الأردنيين وها نحن نعود في30 نوفمبر بعد يومين من التفاؤل المفتعل إلى معدلنا المعهود 5123 إصابة لأننا قمنا بإجراء 25239 مسحة بمعدل فحوص إيجابية 20.3% .
وتعود التساؤلات الغامضة من جديد فماذا عن النتائج غير المتطابقة لفحص الكورونا من مختبر لاَخر وهل النوعيات التي نملكها علمية ودقيقة بالفعل فما نسمعه يزرع الشك وبوجه الخصوص عندما تنشر الرأي صحيفة الحكومة تحقيقاً موسعاً في 12 أكتوبر بعنوان ” فحوصات الكورونا تضارب وتلاعب ” تشكك بنوعية وجودة الكتات المستخدمة ؟ ولماذا تصل نسبة الفحوص الإيجابية في الأردن أحياناً ل 25.8% ( 18 نوفمبر ) أي أضعاف النسبة العالمية فها هم الكنديون في مقاطعة اونتاريو مكتئبون لأن النسبة في نهاية أكتوبر أصبحت 3% من مجموع المسحات بينما الأردن يتربع اليوم على المرتبة 12 عالمياً بعدد الفحوص الإيجابية ؟
ما الذي يجري ولدينا قنبلة مؤقتة لا ترحم وتنشر الوباء بقمة السهولة تحدث عنها الدكتور سعد الخرابشة بشجاعة ألا وهي اَلاف المصابين والقادمين في الحجر المنزلي والذين لا يتم متابعتهم على الإطلاق وينتشروا في المجتمع وينقلوا العدوى والوزارة تغمض عيونها والتصريح الإعلامي بأن الوزارة تتابعهم وتتواصل معهم وتراقبهم لا تدعمه الوقائع فأنا على سبيل المثال قدمت من دولة مصنفة حمراء تتطلب حجراً لأسبوعين ولم أتشرف مثل الألوف من أمثال حالتي بأي متابعة من وزارتنا الكريمة.
لماذا يا ترى نشهد عودة للتصريحات الهوليودية وتعدد المرجعيات والجهات المصدرة للتصريحات وبأي حق يقوم إداري في مستشفى كبير بنشر معلومات غير مثبتة علمياً ومرعبة للمصابيـن والأصحاء عجز عن معرفتها خبراء كبرى جامعات الكون وحتى لو كانت كذلك فهذا ليس من اختصاص وظيفته فلماذا لا تمنع الوزارة وتردع وتعاقب مطلقي هذه التصريحات ؟
وكم هو محير ومثير للجدل السؤال قبل الأخير لنتوقف عند تصريح مسؤول كبير في وزارة الصحة بتاريخ 29 أكتوبر بأن نصف أسرة الإنعاش في مستشفيات الوزارة ال 700 مشغولة فقط وهنالك 1200 مريض كورونا يحتلون أسرة الوزارة الثلاث اَلاف ويدخل المستشفيات يومياً ما بين 140-180 مريض فقط فلماذا هرولنا إذن وطلبنا المساعدة العاجلة من المستشفيات الخاصة التي استغلت الظروف وفرضت كلفة خيالية على العلاج وافقت عليها الإدارة الصحية السابقة مع تخفيض طفيف ؟ولماذا عرضّنا حياة المرضى الاَخرين لخطر العدوى وحرمنا المحتاجين من الحصول على سرير لعملية طارئة أو ذبحة صدرية ؟ ولماذا إن كنا حقاً بحاجة لأسرة لم نتصرف بحكمة منذ البداية كما فعلت الوزارة مؤخراً حيث استأجرت مستشفى بكامل طاقته وبضعة طوابق في مستشفيات أخرى ؟
لا يوجد أردني غيور على صحته ووطنه لا يتأمل أن ينتهي هذا الكابوس فهل هناك من يستطيع تخفيض قلقنا مما يجري ويشرح لنا كيف نسجل 5000 إصابة بيوم واحد من خلال فحوص عشوائية أو بفحص مخالطين لا تستوجب سوى حالة 230 من بينهم لدخول المستشفى وها هي نشرة المساء تطالعنا بوفاة ستون أو سبعون منهم وهم لم يأتوا بأنفسهم أو محمولين أو بسيارة إسعاف كونهم لا يشكون من أعراض سريرية مقلقة ومتقدمة ؟
ليس من السهل على أردني بسيط وغير مطلع على الأمور الطبية أن يستوعب أننا اليوم بالمرتبة الأولى عالمياً بعدد الإصابات مقارنة بعدد السكان وبأن الوفيات منذ شهر وصلت حتى ل 91 باليوم بل ومن الصعب عليه أن لا يرتعب وهو يصغي ويقرأ معلومات على ألسنة المحيطين به وعبر وسائل الاتصالات الحديثة تتحدث ربما بسطحية وعاطفية وبغير دقة وتوثيق عن قريب أو صديق دخل للمستشفى وتدهورت حالته الصحية بسرعة وتوفي بعدها فمن حق هذا الأردني وكل الأردنيين أن يبدد المسؤولين الشكوك والإدعاءات ويثبتوا لهم بحيادية ودقة بأننا نتبع بروتوكولاً علاجياً متعارف عليه عالمياً ولسنا بالمغامرين بصحة وأرواح أبنائنا ولا نجتهد ونستخدم علاجات مختلفة .
إلى متى سيواصل الأردني الإصغاء لتطمينات توزعها وسائل إعلام الوزارة بينما الوقائع الميدانية ليست مشجعة على الإطلاق وها هو مركز علمي مرموق مثل مركز دراسات جامعة واشنطن سياتل يتوقع لنا سيناريو أسود قبل نهاية العام مع وفيات قد تصل إلى 5593 بل 7477 وفاة .
تملأنا التصريحات طمأنينة بأن الوضع الصحي مستقر وهذا صحيح لكن ضمن المعدل غير المفرح أفلا يحق لنا ونحن جميعاً معرضين دون سابق إنذار للوقوع ضحية المرض وقد ندفع ثمناً باهظاً كمن سبقونا أن نتساءل إن كنا نمتلك رؤيا للمستقبل الغامض المقبل فجميع الأدلة والمؤشرات تظهر أننا لا نمتلك أية استراتيجية وطنية علمية مكتملة مدروسة لتحسين الوضع الحالي ووقف عدوانية هذا الفيروس باستثناء الطلب منه أن يكون حنوناً معنا قدر المستطاع ؟ لماذا ، ومعدل التدهور قد وصل لمستوى غير متوقع خلال شهر واحد دون قدرتنا على النهوض من الكارثة وتحسين الأرقام والمستقبل القريب لا يعدنا بالخير ، لا نعترف بأننا قد غدونا عاجزين أمام المرض وعواقبه ولماذا نخجل ونحن نعيش في بلد صغير بإمكانيات علمية محدودة ونطلب من منظمة الصحة العالمية أن ترسل لنا خبيران أو ثلاثة يساعدونا في تخطي هذه المرحلة الحرجة أو لماذا لا نتوجه نحو خبراء من الصين التي تمكنت من تنشيف الفيروس بنجاح فائق ولم تتركه مبللاً منذ شهور وهؤلاء الخبراء قد تتوفر لديهم خطط تناسب وضعنا وتدرس البروتوكول العلاجي المتبع وقد تسمح لنا بالخروج من هذه الزوبعة بل العاصفة ؟
مكثنا شهوراً ووزارة الصحة لا تواكب الحدث حسب تصريح مساعد أمين عام وزارة الصحة بل وأضعنا فرصة 8 شهور كانت أمامنا لتعزيز القطاع الصحي كما صرح به رئيس اللجنة الصحية في المركز الوطني لحقوق الإنسان فهل يترتب علينا مواصلة مسيرة تحمل مسؤولية التقصير والإهمال الذي أوقعنا في حفرة عميقة ؟ كم من أجهزة تنفس أو ECMO التي بإمكانها إنقاذ الأرواح كان بإمكاننا الحصول عليها بجزء من كلفة تطبيق الإسوارة الفاشل الذي تبخر بغمضة عين وها هي الأخبار المفرحة تزف لنا نبأ نجاح فريق طبي أردني بإنقاذ حياة إنسان حكم عليها بالموت من خلال علاجه باستخدام جهاز ال ECMO الوحيد الموجود في القطاع الخاص ؟
عديد من تساؤلات الأردنيين وشكوكهم هذه قد تجد ما يبررها وعلينا البحث عن سبل الخروج من هذا المأزق بعون من خبراء عالميين لا نطلب منهم تقديم العلاج بل النصيحة العلمية وهذا أمر غير مخجل لأن مصلحة الوطن وصحة الأردنيين وأرواحهم فوق كل اعتبار وتتطلب تقديم العون لهم دون أي تأخير إضافي قد يكون كارثياً وصدقوني الأردن يستحق منا الكثير والأفضل .