أحمد ابو خليل –
الأول نيوز – لم تفلح كل الحيوية التي يتمتع بها مذيع قناة “المملكة” الصديق عبدالله الكفاوين في التأثير على كآبة كلام وزير التخطيط المكرر والمعاد والخالي من المعنى، بالذات فيما يخص موضوع الفقر.
إليكم الحكاية التالية التي تلخص جوهر مداخلات الوزارة في هذا الملف الذي تمسك به (بالأموال المخصصة له) منذ أكثر من عقدين:
كنت في بلدة فقوع في الكرك، في قاعة أظنها تابعة للبلدية، كان متحدث مسؤول يلقي كلاما حول مشاريع نفذتها وزارة التخطيط ووفرت فرص عمل وقد ذكرها بالتفصيل. وقبل أن ينهي المتحدث كلامه خرجت من القاعة وسألت شخصا يقف عند المدخل عن أحد المشاريع التي ذكرت، فقال لي: “هذا هو أمامك” وأشار بيده إلى الجهة الأخرى من الشارع.
هو محل كتبت عليه يافطة باللغة الانجليزية تحمل اسم الجهة الممولة الأجنبية إلى جانب اسم وزارة التخطيط، وكُررت الكلمات باللغة العربية. كان الباب مفتوحا بمقدار أقل نصف متر من الأسفل. (باب زينكو). انحنيت للأسفل ونظرت من الفتحة فرأيت ساقي رجل، ناديت عليه، ففتح لي نصف متر أخرى ودخلت، ودار بيننا حوار طريف عن المشروع وعن فرص العمل التي توفرت.
في تلك الأثناء كان الحوار في القاعة لا يزال متواصلا عن الإنجاز المذكور.
هذا المشهد يمثل صورة نموذجية عن عمل وزارة التخطيط ككل: عدد لا يحصى من المشاريع والأوراق والفواتير وتقارير المتابعة التي تشهد بالاستمرارية والديمومة، هناك أطنان من تلك الأوراق في مبنى الوزارة، رأيت الكثير منها بعيني.
تتقن الوزارة تدقيق الأوراق وضبط التقارير، وهناك منشورات جميلة عن الإنجازات معززة بالصور. في ذهني الآن مشاهد محزنة موزعة على مختلف المناطق الفقيرة: من مريغة جنوبا، مشاريع كبرى كالسوق المهجور، وفي ذيبان ولب، إلى جانب أكثر من عشرة مصانع ألبان تحولت فورا إلى خرائب، ومشروع تربية النعام ومشروع “اللوز الفرك” وسوق الحلال، ومناشير الحجر في دير الكهف في البادية الشمالية ومزرعة الأبقار في الرويشد ومزرعة الخروع ومصنع استخراج زيت الخروع من المزرعة حيث لم يزرع الخروع وتحول المصنع إلى خرابة… هل أكمل؟ هناك مشاهدمماثلة في مناطق جرش وعجلون والأغوار، رأيتها جميعها بعيني (التي سيأكلها الدود).
الوزير يتحدث اليوم عن 2500 فرصة عمل سنوية نشأت ولا تزال تنشأ عن هذه المشاريع.
المذيع سأل الوزير عن أرقام الفقر ودراساته. والحقيقة أصبح مجرد ذكر هذا الأمر يثير الحزن الشديد. توقفت الوزارة عن إعلان نتائجها عام 2010 الذي لا تزال أرقامه مستخدمة لليوم. فيما بعد نفذت الوزارة دراستين بكلفة إجمالية من عدة ملايين، وامتنعت عام 2014 عن الإفصاح عن النتائج، ثم أجرت دراسة اخرى عام 2018 بعد أن أشبعنا وزراء ومدراء سابقون في الحديث عن منهجيتها الدقيقة، وقد قال لنا وزير منهم إن المنهجيات السابقة أصبحت قديمة، وأن دراسته وفق أحدث المنهجيات، واليوم يقول الوزير الحالي إن مشكلة الدراسة تكمن في المنهجية بالذات. وأن الحل في دراسة جديدة “أمنهج” من السابقة.
يا إخواننا ويا حبايبنا، فقط لو يتفضل أحدكم بترك أوراقه وتقاريره، ويعود مواطنا عاديا ليوم أو بضعة أيام ويرى بعين عادية مثل عيون باقي الأردنيين.
طولت عليكم بالحكي.. أعذروني.