مقالات مشابهة
طه الخصاونة –
الأول نيوز – نشر الزميل والمستشار الاعلامي طه الخصاونة نصا حارقا ينعى فيه والده الذي توفي قبل نحو إسبوعين.
يا بوي، “عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً”
يا بوي،
صباح “الثلاثاء”
“أتتني أخبارٌ بموتك أنبأت.. فغاب لها رشدي وطار لها لبي”
كان يوم بائس عابس، يوم الفراق، واستحق عندي الذم والشتم لولا وصية نبينا محمد عليه افضل السلام في حديثه “لا تسبُّوا الدهر”
ولكن يحق لي أن اقولها: “أنكرت صبحك يا يوم الثلاثاء”
يا بوي،
هاتفني من عرفوك وأحبوك، ترحموا عليك ودعوا لك بالمغفرة وسألوني عن حالي وأحوالي، وحياء منك لم اجبهم:
“أحيان (كيفك) تعني القلب ظامي.. وأحيان (وينك) تعني البعد قتّال!”
يا بوي،
“سَأَلوني لِمَ لَم أَرثِ أَبي .. وَرِثاءُ الأَبِ دَينٌ أَيُّ دَين”
وعاتبوني، لمحبتهم لك، تأخري في الرثاء، وتساءلوا بإستغراب عن أمري هذا، واستأذنك أن اجيبهم:
“ولئن غدا مني الرثاءِ مؤخَّراً.. من أَجل شغل القلب بالأَحزان
فلقد رَثَتْ عيني بِنَظمِ مَدَامعي.. وأَرى الدموعَ مراثي الأجفان
لم يَرْثهِ عني لسانٌ واحدٌ.. لكن رَثَتْ بمدامِعي عَيْنَان”.
يا بوي،
استجمعت أفكاري ولملمت أوراقي وجهزت اقلامي حتى اكتب فيك شعرا أو نثرا يستحقك، ورثاء يوفيك حقك ويظهر قدرك، فلم يسعفني قلمي امام هيبتك ووقارك في الكفن،
“عَجبَ النعشُ من سكون المُسجَّى”
فاستعرت من عيون الشعر والنثر، واستعنت بقول المصطفى عليه السلام “انا على فراقك لمحزونون”
يا بوي،
لولا إيماني بالله الحق، وبالموت الحق، لقلت أنني أرثي نفسي وحالي:
“أَنا مَن ماتَ وَمَن ماتَ أَنا.. لَقِيَ المَوتَ كِلانا مَرَّتَين
يا أَبي وَالمَوتُ كَأسٌ مُرَّةٌ.. لا تَذوقُ النَفسُ مِنها مَرَّتَين”
يا بوي،
استجمعت القوة، وإدعيتُ الشجاعة، وذهبت،
“أزورُ قبرَكَ مشتاقاً فيحجُبُني.. ما هيلَ فوقَك من تُربٍ وأحْجارِ
فأنْثَنِي ودُموعي مِن جَوى كَبِدِي.. تَفيضُ فاعجب لماءٍ فاضَ من نارِ”
يا بوي،
“أرقد هنيئاً فلا سهد بممتنعٍ.. منَّا عليك ولا قلبٌ بصبَّار”
فقد رجعت نفسك المطمئنة راضية مرضية الى ربها،
“فالله حسبك ما عليك مخافةٌ .. ما دمت في كنف العزيز قد احتميت”
يا بوي،
نفتقدك، و”الدَّارُ تشكو فَقْدَ صاحِبِها”
ونتذكر وجهك الباسم ولسانك الدافئ، “كانت لياليك كالأعيادِ حافلةً.. بأوجُهِ الناس مُصطافاً ومُرتَبَعا”
نترحم عليك، والأهل والعشيرة والعزوة والأخوة والاصدقاء والزملاء.
يا بوي، مع السلامة و”عليك سَلامُ اللهِ وَقْفاً” الى يوم القيامة.
