من أيِّ صنف أنت؟

الخوري أنطوان الدويهيّ –

الأول نيوز – من صغري وأنا أحلم أن أكون كاتبًا. وكلَّ مرَّة كنت أقرأ كتابًا، أفكِّر في الكاتب: من أين يأتي بالكلمات؟ ويأخذني التفكير إلى عالم من الخيال: أراني أقف على المنبر أخطب في الحضور. أجدني قاعدًا وراء مكتبٍ أوقِّع كتابًا صدر لي هو الكتاب الخامس، بل العاشر، بل الخمسون والمئة بل المئة والخمسون…

ومع الأيَّام أخذ هذا الحلم يقضُّ مضجعي. ووجدتُني أكتب مقالة في هذه المجلَّة أو في تلك. وبين ليلة وضحاها، صدر أوَّل كتاب موقَّع باسمي، وتوالت الكتب حتَّى صرتُ أُعدُّ اليوم من أغزر الكتّاب.

وفي إحدى المقابلات، سألتني صحافيَّة: “لمن تكتب، طالما أنَّ نسبة القرَّاء ضئيلة جدًّا، إن لم تكن شبه معدمة، ولاسيَّما بعدما انفتح العالم على عصر الإنترنيت؟”

وهنا أتت على بالي رواية قرأتها من مدَّة تقول: “في مذكَّرات إحدى رئيسات الحكومات الغربيَّات قالت لجماعتها إنَّها مطمئنَّة على بقاء دولتها ضمن دولة عربيَّة ما دام السُّكَّر بين أيدي العرب. وأضافت: “أكبر نجاح لنا هو إدخال السكَّر في كلِّ استعمالاتهم”. فقالوا لها: “لقد فضحتِ سرَّنا”. فكان ردُّها: “لا تخافوا، فالعرب لا يقرأون”.

“ينتج السكَّر طاقة كبيرة وملوَّثة للجسم ويُحدث انهيارًا سريعًا ومفاجئًا للطاقة ويسبِّب ضعفًا عامًّا. لذلك، يُدمن الإنسان على السكَّر الأبيض أكثر من إدمانه على التدخين والمخدِّرات، إذ يصبح الشخص مرتبطًا به ليريح نفسيَّته عند أعراض الجوع.

“وأكَّدت الأبحاث العلميَّة أنَّه يستحيل على الشخص الذي يتناول السكَّر أن يكون سعيدًا وفي صحَّة جيِّدة على المدى الطويل. فهو يعطِّل هرمون السعادة في الجسم وله تأثير سلبيّ على توازن كلِّ المعادن في الجسم ولاسيَّما المغنيزيوم الضروريّ لكلِّ أعضاء الجسم وبالأخصّ الدماغ…”

لنعدْ إلى موضوعنا. استوقفني سؤال هذه الصحافيَّة طويلاً، لكنَّني أعرف اليوم، وأكثر من أيِّ يوم مضى، أنَّ كتبي في المكتبات تلقى رواجًا منقطع النظير، لا بل إنَّ بعضًا من القرَّاء يتتبَّعون ما أكتب من مقالات أو كتب…

أما جوابي على تلك الرئيسة فهو أنَّ قسمًا كبيرًا من العرب ما زالوا يقرأون ولكنَّهم، إمّا لا يفهمون ما يقرأون، وإمَّا يصدُّون عقولهم عن فهم ما يجب فهمه، ويصمُّون آذانهم عن سماع ما يسمعون، وعيونهم عن رؤية ما هم ينظرون، كتلك النعامة التي تطمر رأسها في الرمل ظنًّا منها أنَّ بذلك لا أحد يراها.

وهناك القسم الأكبر ممَّن يفهمون جيِّدًا ما يقرأون ولكنَّهم يغضُّون الطرْف. مَثلُ ذلك مَثل ضابط سأل قنَّاصًا على الجبهة عن قنّاص عدوّ مقابل له. فأجابه: “إنَّ قنَّاص العدوّ فاشل جدًّا. يوميًّا يرميني بالرصاص ولكنَّه لم يستطع إصابتي مرَّة واحدة”. فسأله الضابط: “ولمَ لا ترميه أنتَ بالرصاص وتنتهي منه؟” فقال القنّاص: “أخاف إن رميته وأصبته، يُستبدَل بقنَّاص جيِّد”. وهذا ما يطبَّق على معظم أوجه السلطة الحاكمة، في العالم اليوم، الذين يجلسون على مقاعدهم فاشلين وهم بحماية أهل الدهاء.

وأنت أيُّها القارئ النجيب، من أيِّ صنف أنت؟

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

نظرة إلى صلابة المملكة وصمودها

الأول نيوز – الدكتور أحمد ناصر الطهاروه – لطالما كان الأردن، هذه المملكة الهاشمية الصغيرة …