القدس وآيا (آجيا) صوفيا !

باسم داغر –

الأول نيوز – تأتي زيارة الشيخ عكرمة صبري (رئيس الهيئة الاسلامية العليا في القدس)  بتاريخ ٤ ديسمبر ٢٠٢٠ الى كنيسة آيا صوفيا التي حولها اردوغان الى مسجد عثماني ضمن سياق التوظيف السياسي للدين  واستغلال مكانة القدس  ورمزية المسجد الاقصى  بما يخدم طموحات اردوغان الشخصية بتنصيبه  زعيما للامة الاسلامية لتكون مدخلا و غطاء للاطماع التوسعية لتركيا في الموارد و الثروات العربية و لتعزيز نفوذه الاقليمي و الدولي.

سار اردوغان على نهج اسلافه السابقين بعد وصوله الى السلطة 2003 بالتقارب مع الاتحاد الاوربي و التودد له لنيل عضويته (لم ينجح لغاية الان) وعمل اردوغان كل ما بوسعه لاثبات “علمانيته” و ارتباطه بالغرب، لكن بعد وصول المفاوضات الى طريق مسدود و تيقنه من رفض الاتحاد الاوربي لانضمام تركيا له (سجل حقوق انسان متدني وقضايا اخرى)،

إبتدأ بالاستدارة نحو المشرق العربي والاسلامي من اجل تحقيق الانجازات الاقتصادية والسياسية مستندا في ذلك الى احتلال الامبراطورية العثمانية لمشرقنا العربي لمدة خمسة قرون والارث الديني المشترك وبالاساس على التاريخي (الاستعماري) على اساس “التضامن و حسن الجوار”.

لم تؤثر سياسة التقارب و الانفتاح التركية تجاه الدول العربية على متانة ونمو العلاقات التركية الاسرائيلية (إذ ان تركيا هي عضو في حلف الشمال الطلسي  – الناتو وتجلس مع تل-ابيب في لجان عسكرية – سياسية متعددة) على  الرغم من قيامه بحركة استعراضية بمؤتمر منتجع “دافوس” (المنتدى الاقتصادي العالمي) عام ٢٠٠٨ إذ دغدغ العواطف التي ادت الى ازدياد شعبيته بشكل او بآخر في العالمين العربي و الاسلامي؟!

واخذت  تتصاعد وبلغت ذروتها عندما اعاد اردوغان السفير التركي من تل-ابيب الى انقرة  بسبب حادثة سفينة “مافي مرمرة”

مما ساعده في  التاثير على تيار الاسلام السياسي و بالذات الاخوان المسلمين و تبنيه لهم سياسيا ليكونوا جسرا له للسيطرة على الدول العربية  (بالاساس نتيجة دعم مالي من الدوحة) انسجاما مع السياسات و المخططات الامريكية في المنطقة و الذي كشفتها مراسلات هيلاري كلينتون في الفترات الاخيرة.

لكن بالرغم من اعادة  السفير التركي من تل-ابيب  الى انقرة الا ان العلاقات الاقتصادية و المبادلات التجارية استمرت بالنمو والتصاعد الى مستويات غير مسبوقة و بنفس المستوى ايضا تنامى و تطور التعاون العسكري و الامني بين الطرفين.

لم يستطع اردوغان بخطابه الشعبوي وودغدغته للمشاعر  الدينية والدعاية السياسية  وحروبه الكلامية و حركاته الاستعراضية  التغطية و التمويه  على نواياه و اطماعه الحقيقية  في بسط نفوذه على البلدان العربية و سرقة و نهب ثرواتها و السيطرة على مصادر الطاقة و التحول الى لاعب اقليمي ودولي في الساحة السياسية العالمية.

 فقد عمد تحالف الثالوث التركي القطري الاخواني  الامريكي (وبرضا اسرائيلي ولربما اكثر) الى ركوب الموجات الاحتجاجية المسيرة ( الربيع العربي)  او “الهزيع العربي” ( كما اسماها الاكاديمي الفلسطيني البريطاني البروفيسور مكرم خُوري-مَخُّول) في البلدان العربية في سعيهم للوصول الى السلطة كما حصل في مصر و تونس سابقا ومحاولاتهم الحثيثة لاسقاط الدولة السورية وتدمير الجيش العربي السوري وتفكيك الدولة الوطنية و تخريب النسيج المجتمعي.

من خلال استقطاب و تدريب و تصدير و دعم الارهابيين و تمويلهم (صرفت قطر عشرات المليارات باعتراف رئيس وزراء قطر السابق) و سخرت قناة الجزيرة المسيطر عليها اخوانيا و بتوجيهات مجموعة كبيرة بما في ذلك عضو الكنيست الاسرائيلي السابق عزمي بشارة في ‘مطبخ الحرب’ السياسي لقطر،  كل طاقاتها لفبركة الاخبار و نشر الاكاذيب و شن حملات اعلامية مضللة كانت خلالها تركيا  تستقطب وتدرب الارهابيين على اراضيها وترسلهم الى سوريا وتقوم بالدعم اللوجستي والاستخباري، الى ان قامت القوات التركية بغزو شمال سوريا بالتنسيق  مع امريكا.

لم يقتصر التخريب و التدمير الممنهج في سوريا فقط ، فقد  سبق ذلك حملات اعلامية مكثفة من قناة “الجزيرة” (الدوحة)  ضد ليبيا إذ افتى الزعيم الروحي للاخوان المسلمين الشيخ القرضاوي بقتل الرئيس الراحل معمر القذافي، و هو ذاته الذي طلب من امريكا ( وقفة خير ورجولة) لتدمير سوريا. و شاركت قطر ماليا في عمليات الناتو العسكرية في ليبيا من خلال سلاح الطيران  بعد ان تم تدمير و تقسيم ليبيا ارسل اردوغان قواته العسكرية و مرتزقة تابعين له  لدعم حكومة الوفاق الاخوانية  في الحرب الاهلية الليبية و ذلك من اجل السيطرة التركية على الهلال النفطي الليبي و التموضع على الضفة الاخرى من المتوسط. إضافة الى وجود قواعد عسكرية تركية (اكبر تواجد خارج تركيا) في الصومال في اطار سياسة التوغل التركي في المنطقة.

يدرك  الساسة الاتراك جيدا اهمية موقعهم الاستراتيجي الحيوي بالنسبة لامريكا و حلف  الناتو و على الرغم من التحالف التركي الامريكي والعلاقات المميزة مع اسرائيل الا ان لتركيا اردوغان طموحات اكبر من الدور الوظيفي المنوط بها امريكيا و تسعى الى خلق امبريالية عثمانية و لعب دور اقليمي و عالمي مميز.

لم يجن الفلسطينون اية منفعة من سياسيات المحور التركي القطري الاخواني الشرق اوسطية و حروبه الكلامية الفضفاضة ضد اسرائيل لا بل كانت تدميرا لسوريا و ليبيا و اليمن بمشاركة المحور السعودي-الاماراتي المتنافسين لخدمة المصالح الامريكية و الصهيونية.

اعادت تركيا علاقاتها الدبلوماسية بالكامل مع اسرائيل دون تحقيق مكاسب للقضية الفلسطينية كما تذرعت (بالتأكيد انها لم تحرر ولا شبر من فلسطين) سواء في رفع الحصار او وقف بناء المستوطنات او تهويد القدس، بل ساهمت في تكريس الانفصال بالدعم السياسي التركي و المالي والاعلامي القطري لحركة ‘حماس بالتحديد’.

لقد كانت خطيئة كبرى هذه الزيارة للشيخ عكرمة صبري التي ظهر فيها ما اردوغان في ‘آيا صوفيا’ اخلاقيا و دينيا ووطنيا و سياسيا  الى كنيسة/ مسجد آيا صوفيا مؤخرا، لما في ذلك من تهديد للوحدة الوطنية والمجتمعية الفلسطينية، إذ اضرت بنضال اهل القدس وبإضعاف صمودهم، والزج بالشعب الفلسطيني بصراعات دينية هم بغنى عنها واستغلال القضية الفلسطينية من قبل محاور اقليمية متصارعة للمساومات السياسية و يحرف الصراع و يشتت الجهد الفلسطيني. إضافة الى انها مؤشر الى انه بامكان قوة الاحتلال تحويل اماكن العبادة من ديانة واحدة الى اخرى. وستقوض قوة الفلسطينيين عند قيام الاحتلال الاسرائيلي بتحول المقدسات الاسلامية والمسيحية الى اماكن يهودية. فالقضية الفلسطينية هي قضية تحرر قومي وليس فقط قضية كنيسة او جامع… ولو كان اردوغان جادا لقام بتحرير القدس بدلا من استغلالها لمآرب دعائية لا غير.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

نظرة إلى صلابة المملكة وصمودها

الأول نيوز – الدكتور أحمد ناصر الطهاروه – لطالما كان الأردن، هذه المملكة الهاشمية الصغيرة …