الدكتور محمود المساد –
الأول نيوز – من المسلمات أن نقول إن البيئة المدرسية الآمنة التي تتسم بالود والدفء والسلامة والاحترام هي حاضنة تحفز على التفاعل النشط وتقود لتعلم أفضل.
لكن تبقى الأمور بحاجة إلى إثبات يؤكد هذه المسلمة ويكشف عن اتجاهات هذه العلاقات الارتباطية وقوتها ومستوى دلالاتها الإحصائية، بل وأهم من ذلك الوقوف على الأسباب التي أثارت التنمر لدى بعض الطلبة ورفعت من وتيرة إرباك البيئة المدرسية وعطّلت عمليات التفاعل المدرسي والصفي.
الذي آثار الموضوع لدّي من جديد هو نتائج الدراسة الدولية للتوجهات في العلوم والرياضيات (TIMMS) لدورة 2019. التي أكدت وجود هذه العلاقات الارتباطية ذات الدلالة بين التنمر والأداء المرتفع، حيث كشفت النتائج أن في المتوسط ما يقرب من ثلث طلبة الصفين الرابع والثامن يتعرضون للتنمر أسبوعيّا أو شهريّا، وأن أداؤهم أقل من أقرانهم الذين لم يتعرضوا للتنمر أبدًا. وهذه نتيجة مذهلة خاصة أن طلبة هذه الصفوف في مراحل أعمارهم الأولى التي تتشكل بها ملامح شخصياتهم الرئيسة، وتؤسس أطرهم الفكرية والعاطفية والاجتماعية التي تحدد مستقبلهم ومستقبل الوطن الذي يعيشون به.
ويزيد من مستوى التأكد، ويدفع بتوجهات التحليل نحو مناحٍ كثيرة أخرى استجابات مديري المدارس المشاركة في الدراسة التي كشفت عن أن معظم الطلبة يدرسون في مدارس تعاني من مشاكل انضباط مدرسي. وهنا تثار التساؤلات حول قدرات المديرين والمعلمين التربوية والسيكولوجية، ومستوى مهاراتهم في توظيف أساليب التعامل والاتصال والإرشاد التربوي في تحسين بيئات التعلم التربوية والاجتماعية والعاطفية، خاصة أن نفس الدراسة أظهرت أن (70%) من طلبة الصف الثامن يُدرسّهم معلمون بحاجة ملحة إلى تنمية مهنية في كفايات أساليب التدريس والاتصال وجذب الانتباه.
ومع أن جميع معلومات هذه الدراسة أُنجزت قبل جائحة (كوفيد 19) الكونية، إلّا أن هذه الإستخلاصات قد تكون أعلى وأكثر تعقيدًا خلال الجائحة وبعدها. وهذا ما يدعو إلى ضرورة تصدي التربويين إلى دراسة هذه الظواهر والتحوط لها ووضع البرامج لمعالجتها أو للتخفيف من حدّتها بمزيد من التدريب وإعادة التأهيل للكوادر البشريّة المدرسيّة. وهذا كله لن يجدي إلّا إذا كان الإصلاح في سياق شامل يُكامل بين جميع مكونات الفعل التربوي والتعليمي، فهل من سبيل إلى توسيع دائرة الاهتمام في الإصلاح التربوي لأكثر من ردة الفعل نحو الجائحة والتعليم عن بعد؟
- مدير المركز الوطني لتطوير المناهج