الفنيّون والسياسيّون

الدكتور ذوقان عبيدات –

الأول نيوز – من المسلم به أن العالم يقوده السياسيون، والسياسيون هم – مهما كانت توجهاتهم – يمتلكون قوة معنوية واجتماعية ومادية كبيرة ، منها قوة الشخصية والتأثير الشخصي.

ومن المسلم به أن الفنيين لهم دور مهم لكنهم قليلو التأثير في حياة مجتمعاتهم، وليست هناك من مقارنة بين مانديلا وغاندي وتريزا وبين علماء وفنيين مختصين. فالقادة يمتلكون قيما ملهمة ، ويمتلكون رؤىً عامة، ومعرفة شمولية بقضايا متنوعة.

بينما الفنيون يمتلكون معرفة عميقة جدا بموضوع صغير جدا، ولا يكادون يرون ما بجواره. وقد شبهت السياسيين والفنيين بالنحلة والنملة، النحلة تحلق وتنتقل وترى مساحات واسعة ، بينما تتحرك النملة ببطء شديد، ولا تكاد ترى ما سيواجهها بعد سنتيمتر واحد!

وأنتقل الآن إلى موضوعي .

حين عيّن داودية وزيرا للزراعة، قيل: وما علاقته بالزراعة ؟ قلتُ : ولكنه على معرفة قوية بالمجتمع وفئاته، وعلى علاقة بتضاريس الشعب، وهذا ما يمكنه من أن يكون فاعلًا. بينما حين تم تعيين فنيين وزراء لم نسمع بهم ولا بحركتهم !! وهكذا فالوزراء سياسيون وليس من الضروري أن يكونوا فنيين!! وكذلك المديرون وقادة الهيئات الوطنية والمجالس والمراكز!!

لو عينوا كامل العجلوني مديرا للتنمية البشرية لملأ الدنيا مشروعات وفكرًا ! وحين عينوا الروابدة وزيرا للتربية ملأ الدنيا حركة.

والأمثلة عديدة !! المراكز القيادية ليست للمختصين! وإنما للقادة المجتمعيين. وكل هيئة وطنية أو وزارة يجب أن تكون قياداتها من الشخصيات المجتمعية المؤثرة! وإلا ذهبت مؤسساتهم وهيئاتهم إلى الجحيم !!

لدينا عشرات الهيئات الوطنية التي يقودها فنييون لم نسمع بها ولا بأسماء رؤسائها .

المواطن لا يعرف مديري هذه الهيئات ولا كيف تعمل!

يمكن القول: تنتهي المؤسسة حين يعين الفنيون قادة بها! بينما تبدأ المؤسسة حين يعين السياسيون أو الفاعلون المجتمعيون قادة لها، وهذا صحيح بالمجمل، وقد لا ينطبق على كل الحالات، فقد يتحول الفني إلى قائد إذا امتلك مهارات الفعل الاجتماعي ، وقد يتحول السياسي إلى فني فيدمر مؤسسته، بادعائه المعرفة التفصيلية !

في بلادنا لا الفني له حظوظ ، ولا الفاعلون لهم حظوظ . لكن تحت ستار المعرفة الفنية ترتكب آثام عديدة!.

من حق كل مؤسسة أن يقودها الفاعلون اجتماعيا، ومن حق المجتمع أن يرى وجوها معروفة وموثوقة في قيادة مؤسساته. فلا يكفي أن نرى طبيبا يقود مؤسسة طبية، ومهندسا يقود مؤسسة صناعية ، وتربويا يقود مؤسسة تربوية !! المطلوب قيادات اجتماعية مناضلة موثوقة يحترمها الشعب وليس فنيين مجهولين يتصدرون المشهد!!

من يخبرني ماذا فعلت قيادات المجلس الوطني للأوبئة والتنمية والأسرة وحق حقوق الإنسان وكثير من رؤساء الجامعات !! هذه ليست أمثلة لأن كل مؤسساتنا تعاني من خمول وكسل وفساد تحت ذريعة الفنيين والمختصّين!!

فالطبيب الناجح لا يدير مستشفى بنجاح!! ولاعب كرة متميز لا يدير اتحادا رياضيا ! والفيزيائي لا يدير ملف الطاقة بنجاح ! والكيميائي لا يدير مختبرا بنجاح! إلا إذا امتلكوا جميعا مهارات الفعل الاجتماعي!

فما هذه المهارات ؟ إنها موضوع المقالة التالية .

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

السادية في التعامل مع أهل غزة: حين يتحول الإيذاء إلى سياسة ممنهجة

الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب منذ ما يزيد على 17 عامًا، …