أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – صديق مصري يعيش في الأردن منذ نحو 20 عاما، سألني وهو في غاية القلق، هل تعتقد أن ما يحدث في مصر هذه الأيام له علاقة بالتقارب الأردني المصري العراقي، وهل تجتمع كل هذه الكوارث في أقل من أسبوع من خطأ حادث القطار المميت، إلى انهيار مبنى ضخم في جسر السويس، وسائق براد يوقف شارع حيوي بالقاهرة، إلى حريق بنفق محطة قطار بالشرقية، واكتملت الكوارث بمصيبة إغلاق قناة السويس وانحراف الباخرة اليابانية؟.
شخصيا؛ لا أعتقد أن هناك أي رابط بين كل هذه الحوادث، وإنما لعبت المصادفة في تجميع الكوارث في أقل من أسبوع، لكن مصر أم الدنيا كبيرة وعظيمة وقادرة على استيعاب وهضم كل هذه الكوارث بعزيمة شعبها العظيم و7 آلاف سنة حضارة في ظهرها.
لم أتوقف كثيرا عند تحليلات المؤامرة مع أنني قرأت واستمعت إلى كثير من هذه الآراء، وبت مع وجع الكورونا غير ميال إلى تصديق معظمها.
قبل نحو 10 أعوام، كتبت مقالا في صحيفة “أوان” الكويتية بعنوان “عبدالناصر يموت مجددا في تل أبيب”، وكان رسالة إلى الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، بعد أن احتفلت سفارة مصر في إسرائيل بالذكرى الثامنة والخمسين لثورة يوليو، بحضور قادة إسرائيل يتقدمهم نتنياهو.
في فجر ذلك اليوم، اتصل معي الأديب والروائي الكويتي عبد العزيز السريع، معاتبا بقسوة لم أعرفها منه، ولم أسمعها عنه، وهو المؤدب حد الخجل على رأي الدكتور محمد الرميحي. يومها اكتشفت أن السريع من أوائل من انتصر للناصرية في الخليج العربي، ولا يزال قابضا على الحلم، وقال لي بحسّ الواثق: “يا بني مصر ولاّدة، وسترى الحلم العربي يتجدد قريبا من أحفاد أحمد عرابي وسعد زغلول والخالد جمال عبدالناصر”.
أستميحكم عذرا بإعادة نشر المقال اليوم، تكريما لرؤية الأديب عبدالعزيز السريع الشاب الثمانيني..
سيادة الرئيس.. أعرف أن جسدك يحاول أن يستريح منذ أن وُضع تحت التراب قبل نحو أربعين عاما، لكن الراحة تأبى أن تصلك، لأن ذكرك لا يزال يفرض إيقاعه كلما وصلت الانكسارات إلى العظم.
يستحضرك عشاق الناصرية والقوميون العرب كلما هبت الرياح على أشرعتهم، وكلما عصفت بهم الشدائد. ينادون باسمك في مؤتمراتهم، ويرفعون صورك في تظاهراتهم الموسمية كلما أصاب الجسد العربي وجع ما، وما أكثر ذلك، حتى وصلنا إلى زمن نرفع فيه الأحذية انتصارا.
سيادة الرئيس.. أعترف أنني من غير المعجبين بك وبخطاباتك البليغة، لكنّ والدي رحمه الله كان لا يذكرك إلا ويقول الرئيس الخالد، لهذا لا أستطيع أن أقسو عليك.
نذكرك في زماننا هذا بعد أن تبخّرت أحلامنا، وبعد أن ضحكت علينا شعاراتكم، فلا فلسطين حرة عربية، ولا شعار “حرية وحدة اشتراكية” بقي على حاله، حتى جماعة “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة” أصبحوا أمما تتنازعها الريح وسموم الطائفية.
نستذكرك يا سيادة الرئيس بعد أن نبشوا قبرك مجددا في تل أبيب، وشربوا الأنخاب في ذكرى ثورتك، بحضور شمعون بيريز والنتنياهو، هل تصدق: لقد وقف الزعيم الصهيوني على المنصة في بيت سفير مصرك في تل أبيب ليحيي ذكرى ثورتك “ثورة يوليو”؟!
لقد وزّع النتنياهو ابتسامة خبيثة بعد أن نظر إلى صورتك في منزل السفير بمناسبة الذكرى الـ 58 لثورة يوليو، وقال إنه يأمل في إقامة سلام مع الفلسطينيين، ورحب بمبادرات عربية باعتبارها نقطة بداية محتملة، لكنه لم يعرض أي تفاصيل بشأن تحقيق السلام.
هو يكذب يا سيادة الرئيس، مثلما كذبت علينا الشعارات، فلا “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة” أفلح، ولا “فلسطين حرة عربية” صلح، ويكذب علينا يا سيادة الرئيس أصحاب الشعارات الجديدة الذين يصرخون في التظاهرات الموسمية عندما تملأ دماء الأطفال والفقراء الشاشات “خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود”.
سيادة الرئيس.. كلهم حضروا من دون أن ينسوا ارتداء القلنسوات، شاهدتهم يا سيادة الرئيس، وكيف كانوا يدلعون ألسنتهم لـ”لاءاتك الثلاث”: لا صلح لا تفاوض لا اعتراف، ويضحكون من هتافات جماهيرك: “كلنا قنابل بشرية أمام الهجمة الصهيونية الأميركية”.
لقد وضعوا شعاراتك يا سيادة الرئيس في سطل ماء، وعرضوا علينا شربها “يا حكامنا اشتد الضرب، عايزين دولة تعلن حرب”، و”مش حنطاطي مش حنطاطي، إحنا كرهنا الصوت الواطي”.
سيادة الرئيس، هل تذكر اليمن التي أرسلت جندك لمناصرة ثورتها؟ إنها تتقاتل الآن للخلاص من الوحدة، بعد أن أكلت صنعاء خيرات الجنوبيين. وهل تعرف ماذا يجري في مصر وفلسطين ولبنان والسودان والعراق؟
بالمناسبة سيادة الرئيس، تستطيع أن تسأل سعادة السفير المصري في تل أبيب ياسر رضا: هل وقف الحاضرون دقيقة صمت لروحك وقرأوا الفاتحة؟!
الدايم الله……