بين الغشّ والتطوُّر

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – لا يمكنني أن أنسى مشهدًا لشابّ نال الدكتوراه في الطبّ بعدما دسَّ مبلغًا من المال بين أوراق المسابقة التي قدَّمها لأستاذه لا تحمل أجوبة صحيحة البتَّة. ولكنَّ القصَّة لم تنتهِ هنا. في مشهد آخر، يظهر الشابّ في غرفة العمليَّات وبين يديه امرأة لم يستطع إنقاذها من الموت إذ وقف حائرًا ماذا يفعل، أمام انذهال الممرِّضتين اللتين راحتا تنظران إليه باستغراب. وحين خرج من غرفة العمليَّات وجد أمامه أستاذه الذي منحه شهادة الدكتوراه وكان زوج الفقيدة…

ولا يمكنني أن أنسى عندما وقف والدي حزينًا أمام بيتنا الذي كان يشيِّده بعدما سقطت الطبقة الأولى منه لأنَّها لم تكن تحمل الموادَّ الكافية. وتبيَّن بعدها أنَّ المهندس لم يكن مجتهدًا في دروسه وإن نجح فبفضل أستاذته التي أُغرمت به…

ولا يمكنني أن أنسى حكمًا جائرًا لقاضٍ متهوِّر بحقِّ امرأة ظُلمت فمُنعت من رؤية ابنها الوحيد طوال ثلاثين سنة لأنَّه حكم لزوجها بالحضانة. ولا أنسى لهفتها العارمة يوم التقت بابنها مجدَّدًا بعد موت الوالد بعدما ابيضَّ شعرها. بلغ الابن سنَّ العشرين وسافر إلى كندا وتزوَّج هناك وأنجب ابنة. تواصلتُ معه وأخبرته عن أمِّه وما عانته من والده المزدوج الشخصيَّة، وكم تألَّمت من ابتعادها عن ابنها الوحيد بعدما نالت بطلان الزواج. كان الابنُ حاقدًا عليها كثيرًا لأنَّه اعتبرها تخلَّت عنه وهو صغير، لكنَّه لمَّا اكتشف الحقيقة، قرَّر المجيء سريعًا إلى وطنه واللقاء بأمِّه. ثمَّ أخذها معه إلى كندا لتمضي فترة شهر كامل معه ومع أسرته. وبدآ صفحة جديدة…

وماذا أقول عن بلد يصل إلى الحكم فيه أشخاص يملكون المال ولا يملكون الكفاءة؟ أتُرى الأوطان تُبنى بناسٍ يصلون إلى الحكم من خلال شراء الأصوات وقت الانتخابات؟ ألا يصبح الوطن عرضة للانهيار والاندثار؟

خرجت سنغافورة من الاستعمار البريطانيّ ثمَّ من الاتّحاد الماليزيّ في منتصف العقد السادس من القرن الماضي وهي بلد فقير لا موارد له بل هو مليء بالبعوض والحشرات وهو خليط من شعوب مختلفة. لكنَّها أضحت اليوم من أقوى وأغنى الدول في العالم لأنَّ النظام فيها ركَّز بشكل أساسيّ على التعليم والابتعاد عن السياسة والروح العنصريَّة المدمِّرة، والاتّكال على الاستثمارات الأجنبيَّة فيها…

“ركَّز على التعليم”. هذا هو المبدأ الأوَّل لكلِّ عمل ناجح. فكم من شابٍّ في بلادنا، تركوا المدارس وهم صغار ولكنَّهم اليوم يعضُّون أصابعهم ندامة! وكم من شابّ وشابَّة نالوا الشهادات العالية ووصلوا إلى أعلى المراكز بالغش والاحتيال ولكنَّهم فاشلون في إدارة المؤسَّسات وفي تنظيم الأمور، همُّهم مصالحهم الخاصَّة فوق المصلحة العامَّة! وكم من شابٍّ وشابَّة في المقابل نجحوا بتفوُّق في دراساتهم ولكنَّهم لم يُقبَلوا في وظائف مرموقة لأنَّ لا واسطة لديهم!…

كم تحتاج بلاد، تُعتبر من العالم الثالث، لإعادة النظر في تكوينها الديموغرافيّ والثقافيّ والسياسيّ! أما حان لها أن تُدرك سبب فشلها وتخبُّط شعوبها بين الفقر والحرمان من جهة وبين الانقسامات والتحزُّبات من جهة أخرى؟

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الطبيب المزيف والأحذية العلاجية!

محمد الرميحي- الأول نيوز – طبيبة أمريكية في إحدى الولايات، ظهرت على جمهورها من خلال …