كيف يتوجب على الدولة أن تنظر الى الاحزاب

المحامي عاكف توفيق الداوود –

الأول نيوز – كتبت هذا المقال عشية أحداث القدس ، ولم يكن الوقت مناسبا لنشره . اليوم ومع تنامي الشعبوية والفردية والعشائرية ، فان اعادة الاعتبار الى العمل الحزبي تصبح مهمة ملحة .
كيف يتوجب على الدولة أن تنظر الى الاحزاب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تتصرف الدولة كما لو كانت ترغب بوجود الأحزاب وإن ما يعيق ذلك هو تلكؤ الاحزاب ذاتها في طرح برامجها والتوسع في الانتشار، او في التكتل فيما بينها، في حين ان ما يعرقل الحياة الحزبية هو نظرة الدولة الى الاحزاب ، فهي ما زالت تنظر للحزب ككيانٍ عدائي ومعارضٌ ودخيلٌ عليها، بينما يخفي العداء للاحزاب ، كما يقول الفقيه القانوني كلسن ، عداء للديمقراطية ذاتها. وبدلا من التعامل معها على انها عنصرٌ اساسي لسير عجلة الديمقراطية الحقيقية وعنصر استقرار باعتبار ان الحزب هو هيئة دائمة وعقل جماعي للتفكير، وتقوم على أساس برامج واضحة ومبادئ ثابته بشكل يساهم في توجيه وضبط الأداء العام لمؤسسات الدولة، بينما الحكومات المتعاقبة والبرلمانات التي لا تقوم على أساس حزبي، متغيرة البرامج والتوجهات، فانها تتعاطى معها على أنها سببا للفوضى .
وهنا لا بد من التذكير بأن الأحزاب السياسية الأردنية نشأت قبل إعلان استقلال الدولة الأردنية، وهذا الأمر يعني أن الوعي الديمقراطي والتنظيم السياسي للأحزاب والتكتلات قد تبلور ونضج قبل نشوء الدولة، ويعتبر هذا الامر نادر الحدوث في تاريخ نشأة الدول، و ذو دلالات عميقة؛ فبالإضافة الى كونه يعكس ديناميكية المجتمع الاردني، فإنه يدل على ان التنظيم السياسي الجماعي لا الفردي هو المؤسسة السائدة في المجتمع، ونستحضر في هذا السياق أمثلة على أحزاب سياسية نشأت قبل استقلال الدولة الاردنية منها حزب الاستقلال الأردني الذي تأسس عام (1919) وحزب الشعب الاردني عام (1927) ناهيك عن المؤتمرات الوطنية التي تعكس بلورة النضج الديمقراطي في التنظيم والتي تعتبر من اشكال التنظيم السياسي المبكر ، ومن ذلك المؤتمرات الوطنية التي عقدت بين الاعوام (1928 و 1933)، وقد استمرت الحياة الحزبية تنضج وتتبلور بعد استقلال المملكة الاردنية الهاشمية عام (1946) ومن ذلك حزب البعث العربي الإشتراكي والذي تم تأسيسه عام (1952) والحزب الشيوعي الاردني والذي كان وليد اندماج خلايا ماركسية في شرق الاردن مع عصبة التحرر الوطني الفلسطينية عام (1951) ، وحزب البعث العربي الإشتراكي والذي تأسس عام (1951 ) وحركة القوميين العرب عام (1952) ، والحزب الوطني الإشتراكي والذي تأسس عام (1954) وشكل الحكومة الوطنية عام (1956) برئاسة دولة السيد سليمان النابلسي.
يكرس الدستور الأردني الحق في تشكيل الاحزاب ، حيث نصت المادة السادسة عشر من الدستور على أن للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات والاحزاب السياسية على أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور ، و ينظم القانون آلية تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية ومراقبة مواردها ، وإعمالا لإرادة المشرع الدستوري فقد صدر أول قانون للأحزاب السياسية عام (1955) وقد ظل ساري المفعول على الرغم من ان الحياة الحزبية ( باستثناء تنظيم الاخوان المسلمين) قد كانت متوقفة نتيجة الظروف السياسية التي ادت الى اعلان حالة الطوارئ ، وقد ظلت الحياة الحزبية في ظلها في شلل تام نتيجة حظر نشاطها حتى عام (1992) ، وقد تم تعديل قانون الاحزاب السياسية عدة مرات آخرها كان التعديل التشريعي الذي تم بموجب اصدار قانون الاحزاب السياسية رقم (39) لسنة (2015) والذي لا يزال سارياً حتى تاريخ كتابة هذا المقال .
ورجوعاً الى الإشكالية الرئيسية التي تؤدي الى تقويض الحياة السياسية الحزبية، وتفعيل دورها بشكل يعكس الشكل الحقيقي للديمقراطية، فإنه وبالإضافة الى ان الدولة تنظر الى الاحزاب السياسية كشكل تنظيمي دخيل عليها، فإن التنظيم القانوني الذي ينظم الحياة الحزبية يعتريه عدد من العيوب الجوهرية التي تعاكس مرونة تشكيل الأحزاب السياسية وتعيق تحولها الى أداة للمشاركة السياسية وتنظيم المجتمع ومن هذه العيوب الآتي :-
1- الأصل أن حق التنظيم الحزبي هو حق مستمد من الدستور مباشرة، وبذلك يكون من الحقوق التي لا تحتاج الى ترخيص لممارستها مثله مثل حق التعبير وحق التنقل والسفر، ان ولادة طفل جديد لا تحتاج الى ترخيص بل الى اشعار الدولة بذلك وكذلك الاحزاب ، بينما نصت المادة التاسعة من قانون الاحزاب على تشكيل لجنة تابعة لوزارة الشؤون السياسية والبرلمانية يكون من حقها منح الترخيص أو منعه وفقا لنص المادة (14) من القانون وبالرغم من أن القانون أعطى للحزب المرفوض طلبه الحق في اللجوء الى المحكمة الادارية الا أن ذلك يتعارض مع الدستور الاردني ويتعارض من التطبيقات القانونية السائدة في معظم الدول الديمقراطية . فالاصل أن هنالك شروط ينص عليها القانون يجب أن تتوافر في مجموعة من الاشخاص يقررون تأسيس حزب سياسي، وكل ما عليهم هو اشعار الوزارة المعنية بقيام الحزب بقيام شروطه (علم وخبر) ويمارس الحزب نشاطه اعتبارا من تاريخ الاشعار، وفي حال كانت شروط الحزب غير مكتملة أو خالف هذه الشروط أثناء ممارسته لنشاطه السياسي فإن الحكومة هي التي تقوم باقامة الدعوى ضد الحزب وعليها عبء اثبات ذلك. ويقرر القضاء مصير الحزب تبعاً لذلك، فلا يعقل أن تكون الحكومة التي نشأ الحزب من أجل الحلول محلها هي التي يقوم بترخيص الحزب . والتاريخ يشهد على حالات تعمدت السلطة التنفيذية فيها منع ترخيص حزب ما نظرا لخصومتها السياسية معه، حيث لن تعدم من أن تجد أسبابا لرفض ترخيصه. مثلا ، أصدرت الحكومة عام (1954) قرارا برفض ترخيص حزب البعث العربي الاشتراكي لعدم شمول الطلب أعمال المؤسسين ولورود نص في برنامج الحزب يعتبر أن الاردن جزء من الامة العربية وخلوه من تحديد نوع نظام الحكم بالاردن، الا أن المحكمة المختصة ألغت قرار الحكومة وأشهرت الحزب . وفي عام (1992) لم يوافق وزير الداخلية، المختص انذاك، على ترخيص الحزب الشيوعي لأن برنامج الحزب يطالب بالإشتراكية وهذا يتعارض مع المادة ( 11 ) من الدستور الأردني، التي تمنع الاستملاك الا للمنفعة العامة وضرورة التعويض للمتضرر، وأن الحزب يناصر العمال والفلاحين وهذا يتعارض مع الدستور الذي ينص على أن الاردنيين متساوون أمام القانون . واخر الامثلة كان في رفض لجنة الاحزاب الطلب المقدم من حزب الشراكة والانقاذ.
2- تنص المادة الثالثة من قانون الاحزاب على ما يلي :
” يعتبر حزبا كل تنظيم سياسي مؤلف من جماعة من الاردنيين يؤسس وفقا لاحكام الدستور وهذا القانون بقصد المشاركة في الحياة السياسية وتحقيق أهداف محددة تتعلق بالشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويعمل بوسائل مشروعة وسلمية “
وتنص الفقرة (ب ) من المادة الرابعة على ما يلي :
” للحزب الحق في المشاركة بمختلف الانتخابات التي تجري في المملكة وفق أحكام القانون “
ان النصوص القانونية لم تربط بين كيفية تحقيق الحزب لأهدافه وبين وسائل تحقيق هذه الأهداف، والمشاركة السياسية في الانتخابات لا يتحقق لأحزاب تخوض الانتخابات على أساس الصوت الواحد وتعاني من نقص الاموال وتعاني من التضييق على أعضائها من أن تفوز في الانتخابات، ولا يصلح هنا الادعاء بأن تعديل قانون الانتخابات يقتضي “نضوج الاحزاب أو توسعها أو اندماجها ” كما يقال دائما في سوق الاسباب التي تحول دون تعديل قانون الانتخاب ، بينما العكس هو الصحيح فإن تعديل قانون الاحزاب وقانون الانتخاب لينصا صراحة على أن للأحزاب الحق في مقاعد محددة في البرلمان وبشكل يضمن بأن يصبح التنظيم الحزبي للفرد شرطا لدخوله البرلمان وأن يضطر الى الدخول في تكتل من مجموعة أحزاب لخوض الانتخابات . وهو الامر الذي من شأنه أن يحقق توسع الاحزاب وانتشارها لأنها هنا، وبهذه الطريقة بالذات يمكنها أن تشارك في الحياة السياسية لان الاصل أن الحزب ينشأ من أجل الوصول الى سدة الحكم في نظام ديمقراطي، وهذا من شأنه المساهمة في تحول التفكير الى تفكير جماعي لا فردي ويخفض من النزعة الفردية المنتشرة الان ويساهم في اعادة بلورة الوعي السياسي وتأطيره ضمن الاحزاب السياسية البرامجية، كما من شأن ذلك أن تعيد تنظيم الفرد وتخرطه في مجموعات من الذين يقفقون معه في التفكير ويساهم في تعزيز روح الابداع وتعلم الحوار واحترامه واحترام الوقت ، ومن خلال هذه الاحزاب يزداد الوعي الديمقراطي لدى الفرد وامتلاكه لأدوات هذا الوعي من التفكير الناقد والتعبير عن الرأي واحترام الرأي الآخر فضلا عن أن ذلك من شأنه أن يسهل عمل البرلمان ذاته ، فمن ناحية فإن الكتل الحزبية تتحدث بواسطة فرد واحد يمثلها بدل سماع عشرات الخطب الفارغة، ومن جهة أخرى فإنه لا يتصور اليوم ان يمارس نائب فرد العمل التشريعي بمراجعة التشريعات المتنوعة الاختصاص وأن يقرر بنفسه كفرد المصلحة العامة .بالاضافة الى ان الأحزاب تحت قبة البرلمان تساهم في حل اشكاليات قضت مضجع الديمقراطية وتم اللجوء في حلها الى ادوات لا تزال منتقدة ومن ذلك الكوته النسائية، حيث يمكن الاستعاضة عن هذا الامر بوضع قيد على الاحزاب عند خوض الانتخابات بوجوب ان تضم القوائم الانتخابية عددا معينا من النساء وان تراعي التمثيل المتساوي لكلا الجنسين.
لا يمكن لنا بأي حال من الاحوال ان نكون امام ديمقراطية حقيقية الا اذا تم التحول نحو الاحزاب والاقرار بوجودها ككيان لازم لدفع عجلة الديمقراطية ، ومن الممكن كمرحلة أولية ان نقوم بتقسيم البرلمان الى جزئين حيث يترشح الجزء الاول ضمن قائمة حزبية والجزء الآخر للمستقلين، وهذا يستدعي اجراء تعديلات قانونية على قانوني الاحزاب والانتخابات بالتوازي والتزامن ، بحيث يكون من حق الحزب الذي شكل اغلبية برلمانية ان يشكل حكومة برلمانية ، واننا بذلك لا نخترع جديدا فهذا النظام السائد في كافة النظم الديمقراطية ومن ذلك دول متقدمة مثل الدول الأوروبية كما هو سائد في دولة مثل موريتانيا .بغير ذلك لن يتوسع الحزب لان دوره لا يتعدى دور منتدى ثقافي ، ولن يحقق التوسع لان المنتسب له يريد أن يرى برامج حزبه يصبح برنامج الحكومة والا فانه سيصاب بالاحباط وأتهام الحزب بأنه بلا جدوى ، وهذا سيبقي الحزب في دائرة ضيقة ليس من حيث عدد الاعضاء بل ستحيط به عواصف من الخلافات والانشقاقات لعدم رضى الاعضاء على أدائه .
هذه الجهة التي يتوجب على الدولة ان تنظر منها الى الحزب ، أما عن الجهة التي يتوجب على الحزب أن ينظر منها الى الدولة ، فهذا موضوع مقال اخر…

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

قراءة في نهج دولة الرئيس

د. حسين سالم السرحان – الأول نيوز –  تنبع أهمية الزيارات الميدانية للمسؤولين من التحديات …