صفات ثلاث

 

الخوري أنطوان الدويهيّ  –

الأول نيوز – قال لي أحدهم: “ما سرُّ نجاحك؟ وكيف تستطيع أن تدخل إلى قلوبنا دون استئذان؟” وقال لي آخر: “أنتظرك من أسبوع لآخر، لأقرأك وأتمتَّع بما تكتب. وكلَّ مرَّة أقول إنَّ هذه المرَّة هي أجمل كتاباتك ولا أظنُّ أنَّك ستكتب أجمل منها، وإذا بك تفاجئني الأسبوع التالي بمقالة فيها الجديد، وتكون أجمل…”. وقال لي أيضًا آخر: “ألا تشعر بالغرور عندما تكتب وتلقى التهنئة تلو التهنئة؟”

ولمَ الغرور؟ وعلامَ أتباهى؟ أتُراني فريدًا من نوعي؟ ألا يجب على كلِّ صحافيّ وكاتب أن يتحلَّى بقلم جميل وفكر سليم؟ أتُرى كلَّ كاتب مغرورًا؟ ألا يجدر به أن يتقن مقالاته ويستحوذ بها على قلوب القارئين وعقولهم وأفكارهم؟ أليس الكاتب الناجح هو من يعرف كيف يوصل الرسالة التي يجب إيصالها، ويوصلها كما يجب ويليق؟

عندما يتكلَّم المرء أو يكتب شيئًا أو يقوم بأيِّ عمل إبداعيّ، عليه أن يتحلَّى بثلاث: الثقافة والخبرة والكاريزما؟

فالعلم وحده لا يُغني الإنسان شيئًا، لأنَّ السواد الأعظم من الناس هم متعلِّمون، ولكن ليس جميع الناس مثقَّفين. فالمثقَّف هو الذي يُلمُّ بمعرفة واسعة. أليست الثقافة هي ما تبقَّى لدى الإنسان من علم ومطالعة واختبارات؟

أمَّا الخبرة فهي ضروريَّة. فالعازف لا يصبح بارعًا إلاَّ بقدر ما يتمرَّن على العزف على آلته. والرسَّام يصبح محترفًا إذا أتقن أساليب الرسم المتنوِّعة. والكاتب يصقل أفكاره بقدر ما يقرأ ويكتب. يُروى عن بيكاسُّو أنَّ أحد المعجبين أتاه يطلب لوحة. فأتمَّ الرسمة في عشر دقائق طالبًا مبلغًا كبيرًا من المال. وعندما سأله: “وعلامَ تطلب هذا المبلغ، ولم تأخذ الرسمة منك وقتًا أكثر من عشر دقائق؟” فأجابه: “أخذت الرسمة منّي عشرين سنة وعشر دقائق”. فالخبرة مهمَّة لأنَّها تصقل الإنسان وتجعله بارعًا في مادَّته.

وتبقى الكاريزما وهي هبة من الله موجودة في الإنسان بالفطرة أي إنَّه لا يكتسبها اكتسابًا بل تولد معه وتنمو بقدر استثمارها بالثقافة والخبرة. وهي التي تتوِّج المرء وتجعله مبدعًا. فهو يؤثِّر بالناس لا لأنَّه مثقَّف ولا لأنَّه ذو خبرة بل لأنَّ الله وضع فيه ميزة خاصَّة للتأثير بالناس.

هناك أشخاص كثيرون يملكون الكاريزما ولكنَّها تختلف بين شخص وآخر. هناك أشخاص يؤثِّرون على الآخرين بحضورهم الفعّال، والبعض الآخر بشكلهم الجذّاب. وآخرون يتميَّزون بإطلالة مميَّزة يفرضون ذاتهم واحترامهم على الآخرين، بينما بعض الأشخاص يتحلَّون بروح قياديَّة وبشخصيَّة قويَّة. ويسحرك أشخاص بكلامهم المعسول والمنمَّق والمقنع والصائب. وأخيرًا، يتمتَّع بعض الأشخاص بشهرة واسعة يجعل حضورهم مصدر رهبة للآخرين. وهذه الأخيرة يكتسبها المرء بالممارسة والمواظبة على اكتساب المهارات وتطويرها وتحسينها يومًا بعد يوم.

لكلٍّ منَّا كاريزما خاصَّة به لأنَّ الله وضع نِعمًا ومواهب لا تُحصى ولا تُعدُّ في قلب كلِّ واحد منَّا وعقله. فمن استثمرها وتفاعل معها وطوَّرها استطاع أن يؤثِّر بشكل أو بآخر بالآخرين. فلا يفتخرنَّ أحد على أحد لا بما أعطاه اللهولا بما يُعطي الآخرين، فكلُّ شيء هو من الله!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

السادية في التعامل مع أهل غزة: حين يتحول الإيذاء إلى سياسة ممنهجة

الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب منذ ما يزيد على 17 عامًا، …