الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – دخل لصٌّ ليلاً إلى قبو أحد البيوت، وكان خاليًا من السكّان، فوجد صندوقًا ثقيلاً ولكنَّه مقفل. ظنَّ أنَّ فيه كنزًا كبيرًا، فقام بإخراجه من القبو بعد جهد كبير. وضعه في صندوق سيَّارته وطار به إلى بيته. أفرغ محتوى الصندوق فلم يجد سوى خرق بالية وقطع حديد صدئة وبعض الجرائد القديمة ومجموعة من الطوابع البريديَّة. فحمل الصندوق كما هو ورمى به في صندوق القمامة قرب بيته.
مرَّ رجل أوَّل نظر إلى داخل الصندوق وتابع سيره. ثمَّ مرَّ رجل آخر، لفتت نظره مجموعة الطوابع البريديَّة، فالتفت يمينًا ويسارًا، وأخذ مجموعة الطوابع ومضى. بعدئذٍ، اقترب رجل يجمع الحديد ليبيعه، فوجد قطع الحديد في الصندوق فوضعها في كيس كبير ومضى فباعها لدى تاجر خردة بسعر بخس جدًّا. تفحَّص الرجل القطع واحدة واحدة، ووضع كلَّ واحدة في مكانها المناسب. ولفتت نظره قطعة صدئة جدًّا ولكنَّ في وسطها لمعان غريب. فقام بإزالة الأوساخ عنها فوجدها سبيكة من الذهب محصورة من جوانبها بقطعة من الحديد لصيانتها. مضى بها إلى جوهريّ فنظر إليها بلامبالاة ولكنَّه اشتراها منه بخمسة آلاف دولار. ولكون السبيكة إنكليزيَّة الأصل وتزن كيلوغرامًا واحدًا، استطاع أن يبيعها بخمسين ألف دولار.
أمّا جامع الطوابع فقد اكتشف بين الطوابع البريديَّة طابعًا تعود طباعته إلى سنة 1910، ويحمل صورة الملك إدوارد الخامس، وهو من أغلى وأندر الطوابع البريديَّة، واستطاع أن يبيعه بمبلغ يفوق الثمانين ألف دولار أميركيّ…
هكذا الإنسان، حيثما يضع نفسه تقدَّر قيمته. مثل ذلك مثل عازف كمان مشهور يتقاضى في كلِّ حفلة مبلغًا مرقومًا. نزل يومًا إلى الشارع وراح يعزف أجمل المقطوعات الموسيقيَّة فلم يلتفت إليه سوى القليل من المارَّة، وبعضهم رمى له بضعة قروش في علبة الكمان خاصَّته الذي يبلغ سعره ما يفوق المئة ألف دولار.
يقول الكتاب: “لا ترموا أقداسكم للخنازير، لئلاَّ تدوسها بأقدامها وترجع إليكم فتمزِّقكم”. ونفسكم هي أقدس الأشياء بالنسبة إليكم فلا تزجُّوها في متاهات لا طائل لها، لا في مشاكل أنتم بغنى عنها، ولا في جدالات مع ناس سخيفة، ولا في كلام سفيه يحطُّ من قدركم، ولا في مواقف مشينة ومشبوهة توجدون فيها لغريزة دنيئة. حافظوا على أنفسكم في أماكن راقية ومواقف مشرِّفة، فأنتم أهمُّ من كلِّ الأشياء التي تحيط بكم. فما أسعد الإنسان الذي يحافظ على ذاته نقيَّة، وعلى أفكاره صافية، وعلى جسده طاهرًا! مهما كان الثوب ناصع البياض، نقطة سوداء واحدة تبدِّل نظرة الناس فيه؛ كذلك الإنسان الشريف من الصعب عليه أن يستعيد صيته الحسن إذا تلطَّخ اسمه بأتفه الأمور. وما أصعب على الإنسان المحافظة على الصيت الحسن وما أسهل عليه فقدانه!
حذارِ أن ننقاد وراء غرائزنا لئلاَّ ترتدَّ علينا بالسوء، بل لنسعَ جاهدين أن نرفع اسمنا عاليًا ونحافظ عليه فوق كلِّ الشبهات!