الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – استوقفتني مقولة أجنبيَّة جعلتني أفكِّر ماذا أقول وكيف أتصرَّف: “إذا كانت عيناك إيجابيَّتين، تستطيع أن تحبَّ العالم، ولكن إذا كان لسانك إيجابيًّا، تجعل العالم يحبُّك”.
أصبحنا في عالم تسوده روح الكراهية والكلام المقيت حتَّى أضحت مثلاً الشتائم بين السياسيِّين تُنقل عبر شاشات التلفزة، ويُترجم الكلام المهين عبر الأغاني الساقطة، ولا ينجح فيلم سينمائيّ إن لم يكن مليئًا بالكلام البذيء. ويبقى الكلام المسيء يجرح العقول الراقية وينفِّر القلوب الطيِّبة.
فما أجمل الكلمة الجميلة التي تزرع السلام والراحة بدل الخصام والمشاجرة! وما أحلى البسمة الصافية التي تصدر من قلب محبّ وصدر رحب!
التقت مجموعة من الطلاَّب المتقدِّمين في السنّ، يدرسون سويَّة ليصبحوا مرشدين سياحيِّين، وهي تضمُّ اليهوديَّ والمسيحيّ والمسلم. راحوا يتناقشون بأمور الدين، حتَّى علا صوتهم، وكلُّ واحد يحاول أن يبرهن أنَّ ما يقوله هو الحقيقة دون سواه، لا بل أنَّ الحقيقة إلى جانبه؛ إلى أن تدخَّلت سيِّدة محترمة. ابتسمت للجميع ابتسامة ساحرة، وقالت لهم كلمات فيها من العذوبة ما جعلهم يسكتون ويقتنعون إلى حين بما تقول:
- كلُّنا خليقة الله، والله الذي خلقنا، خلقنا متساوين، وأطلقنا في هذا العالم لنعيش ونعمل ونأكل طعامنا بعرق جبيننا. لم يميِّز أحدًا عن سواه، ولا وضع أساسًا مكانًا للدين، بل جعلنا جميعًا إخوة. فلماذا نتقاتل ولماذا نتشاجر لأجل دين وُضع لتفريقنا؟ بينما الدين الحقيقيّ هو المعاملة الصالحة تجاه بعضنا البعض، والعبادة الحقَّة لهذا الإله الذي أرادنا سعداء، وسعداء بعضنا مع بعض. تنعتونني جميعًا أنَّني ملحدة لا أصلّي، لا لأنَّني لا أريد أن أؤمن، بل لأنَّ ما أبعدني عن أخي الإنسان هو الدين، بينما الدين الصحيح يجب أن يقرِّبني من أخي الإنسان، لأنَّه يقرِّبني من الله. من جهة أخرى، من قال لكم إنَّني ملحدة؟ أتعلمون… دين كلِّ واحد منكم جعلني ملحدة، لأنَّ هذا الدين عينه ينبذ الأديان الأخرى، لا بل يجعل الطوائف الأخرى في الدين الواحد تنبذ بعضها بعضًا، وتُبعد بين مؤمنيها. وفي كلِّ دين هناك المتشدِّدون والمتساهلون، هناك المتديِّنون والفاترون، هناك القساة والرحماء. ليس هذا ما أراده الله منذ البدء، أراد أن نحبَّه ونعبده بقلب منفتح، أي من خلال محبَّتنا بعضنا لبعض دون تفرقة ودون تمييز بين الطوائف ولا بين الأديان…
وصمت الجميع ولم يتكلَّم أحد بأيَّة كلمة. وإذا أحد الموجودين يقول:
- انظروا من يتكلَّم! أضحت هذه السيِّدة تكلِّمنا كلامًا في الدين، حتَّى إنَّنا جمعنا سكتنا. ما أغباكم! كلُّ واحد يعتقد اعتقادًا خاصًّا به، ولم يستطع أن يقول كلمة لامرأة ملحدة!؟ ماذا تعرفين أنت عن الله؟ وكيف تقحمين نفسك في موضوع لا علاقة لك به، لا من قريب ولا من بعيد؟
وبدأ الجميع يتكلَّمون بين مؤيِّد ومعارض. ولكنَّ واحدًا وقف وقال لهم:
- أرأيتم، هذه حال شعوبنا، ونحن صورة مصغَّرة عنها، نتقاتل باسم الله، ونتشاجر دفاعًا عن الله. كلُّ واحد يظنُّ أنَّ الحقيقة ملكٌ له، ويختبئ وراء “حقيقته”، بينما علينا جميعًا أن نكون ملك الحقيقة. ما قالته هذه السيِّدة يمسُّ كلَّ واحد منَّا. كفانا تقاتلاً ومشاجرة، فالله لا يحتاج إلى من يدافع عنه، بل إلى من يحبُّه. وهذه السيِّدة اختارت الطريق الصحيح!…