أيَّ حبل  نحافظ عليه؟

 

  الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – بينما كنتُ مسترسلاً مع حبل أفكاري، استوقفتني فكرة أخذت بمجامع كياني، ولم تلبث أن تفجَّرت كلمات على ورق.

حياتنا كلُّها مرتبطة بحبال، بعضها من الضروريّ قطعها، وبعضها الآخر يجب المحافظة عليها. فأيُّها نقطع وأيُّها نحافظ عليها؟ منذ تكوين الجنين في حشا أمِّه يتغذَّى منها بواسطة الحبل السرّيّ الذي يرافقه طالما لم يولد بعد. وهو أهمُّ حبل لأنَّ من خلاله يتكوَّن الجنين وينمو، وتتكوَّن شخصيَّته. وبالرغم من أهمّيَّة هذا الحبل السرّيّ، يُقطع بعد ولادة الجنين بدقيقة واحدة لئلاَّ يشكِّل بقاؤه خطرًا على حياة الوالدة. ومع قطع الحبل السرّيّ ينفصل الطفل كلِّيًّا عن عالمه الخاصّ الذي كان يعيشه داخل الحشا، ليبدأ حياة جديدة في عالم جديد.

وهنا يبدأ حبل من نوع آخر، هو حبل الروابط الإنسانيَّة والاجتماعيَّة، هو مجموعة حبال، بعضها يُقطع خلال ثوانٍ وبعضها يستمرُّ أيَّامًا أو سنواتٍ وبعضها الآخر يبقى عمرًا؛ هو حبل يربطني بالأهل والأصدقاء والرفاق كما بعابري السبيل والذين نلتقي بهم على دروب الحياة…

وهناك حبل مميَّز وراقٍ جدًّا هي حبل الأفكار. هو حبل يربطني بذاتي، وهو أمتن الحبال وأصدقها، فلا غاية فيه لأنَّه لا يبحث إلاَّ عن خير صاحبه. كلُّنا يسترسل في التفكير بأمور رائعة ولكنَّ البعض يفكِّر بأمور شرّيرة، وهذا الحبل مع عذوبته وهدوئه وصدقه، يُقطع فجأة بكلمة أو بصوت مفاجئ. والأفكار رغم أهمِّيَّة الكثير منها، تبقى مجرَّد أفكار ما لم تترجَم على أرض الواقع. بعضها يُنسى لتوِّه، وبعضها الآخر يقضُّ مضجع حاملها!

أمَّا أقصر حبل هو حبل الكذب الذي ينتهي غالبًا حيث بدأ. ويا ليت الإنسان يُدرك أنَّ كذبته مهما استمرَّت لا تلبث أن تظهر وتُعرف! ولات ساعة مندم!

وما أفظع حبلاً يرهبه جميع الناس دون استثناء، هو حبل الإعدام الذي يقطع أنفاس المشاهدين ويمنع النفَس عن المحكوم عليه. هو حبلٌ يفصل الإنسان عن الحياة ويصله بالموت على الفور. لا أحد يعلم متى يُقطع حبل حياته، إلاَّ من وُضع حول عنقه حبل الإعدام.

ما أصعب إنسانًا يسقط في الماء ولا يستطيع السباحة، فهو يسعى جاهدًا أن ينقذ نفسه من الغرق مستعملاً أيَّة وسيلة للنجاة من الموت المحتَّم، حتَّى أُطلق عليه هذا المثل: “الغريق يتعلَّق بحبال الهواء”. وكم من مجرم ولصٍّ وهارب من وجه العدالة، إذا وقع بأيدي رجال الشرطة يحاول أن يتملَّص من قبضة الشرطة “متعلِّقًا بحبال الهواء”.

ويبقى أقوى حبل وأجمله على الإطلاق هو الحبل الذي يربط الإنسان بخالقه. هو حبل موصول دائمًا بالله، ولا يمكن أن ينقطع من طرفه أبدًا. وهي حالة فريدة ووحيدة يقوى فيها الإنسان على الله، لأنَّه قادر أن يقطع هذا الحبل من جهته. فما أقسى قلب الإنسان وأتعسه إذا قطع هذا الحبل، وما أطيبه من قلب وأسعده ذاك الذي جعل من هذا الحبل خبزه اليوميّ الدائم!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

السادية في التعامل مع أهل غزة: حين يتحول الإيذاء إلى سياسة ممنهجة

الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب منذ ما يزيد على 17 عامًا، …