الدكتور أيمن سلامة –
الأول نيوز – منذ أن وصلت حركة طالبان في أفغانستان لسدة الحكم الشهر الماضي ، اشرأبت الأعناق وجحظت العيون تنتظر الخبر اليقين و هو الاعتراف الدبلوماسي بالحكومة الجديدة في أفغانستان من قبل المجتمع الدولي .
إذا ما نجحت الثورة أو الإنقلاب العسكري أو الوسيلة العنيفة المسلحة التي تفلح في إجراء التغيير الحكومي ، خارج الإطار الديمقراطي الذي يستلزم تداول السلطة السلمي عن طريق الإنتخابات البرلمانية ، فإن قيادات الثورة أو الإنقلاب أو تلك التي استولت علي الحكم بالوسيلة غير السلمية ، كما في حالة حركة طالبان في أفغانستان ، فإنها تقوم بتشكيل هيئات حكومية مؤقتة ، وبغض النظر عن تسميتها ، من أجل تسيير شؤون الدولة وتعلن عن تمثيلها في علاقاتها الخارجية مع المجتمع الدولي
وتوصف الحكومات التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية أي عن طريق الثورة أو الإنقلاب ، بالحكومة غير الشرعية وذلك بالنظر لكونها لا تستند للشرعية الدستورية قبل نشأتها ، وتُدمغ هذه الحكومات بحكومات الأمر الواقع أوالحكومات الفعلية .
وتتميز الحكومة الواقعية بثلاث سمات رئيسية ، فتنصيبها غير قانوني ، بمعنى أن قيامها يتم خارج الإطار القانوني المطبق في البلاد وفق الأصول الدستورية السارية ، وتتمتع سلطتها بالفاعلية ، أي أنها قادرة بمؤسساتها وهياكلها وأجهزتها على فرض نفسها على المواطنين والموظفين الرسميين ، فيذعنوا لها ويقوموا بتنفيذ أوامرها و تعليماتها ، كما تتميز هذه الحكومات الفعلية باحتكار الصلاحيات والاستئثار بها ، أي أنها تتمكن من ممارسة السلطة وحدها في الإقليم ، ولا ينازعها سلطة أخري ، وتدق هذه المسألة الأخيرة في الشأن الأفغاني ، فحيثما تقوم حركة طالبان، لاحقا ، بتشكيل حكومتها الجديدة و تضم بعضا من القادة الأفغان السابقين في الحكومة المخلوعة، فذلك لا ينتقص من استئثار حركة طالبان بالسلطة الحاكمة في البلاد .
لا يمكن للحكومات الواقعية الإدعاء بتمثيل الدولة تمثيلا قانونيا ، ولا يمكن اكتساب الشرعية القانونية على الصعيدين الداخلي والخارجي ما لم تقم بالإجراءات الدستورية الضرورية
وباكتساب رضا الشعب على الصعيد الداخلي ، ورضا الدول الأخرى عن طريق الاعتراف على الصعيد الدولي
يذخر التاريخ الحديث بأدلة ساطعة للإجراءات المختلفة التي تقوم بها الحكومات الواقعية من أجل إسباغ الشرعية علي إمساكهم بذمام السلطة عن طريق القوة المسلحة ، وتدليلا فالحكومة التي جاءت في العراق بعد الإطاحة بالحكم الملكي في 14 يونيو 1958 أسرعت بعد اسبوعين فقط من توليها السلطة بإصدار دستور مؤقت للعراق في ۲۷ يونيو 1958 و1968
لا مِرية ، أن أفضل الوسائل التي تلجأ إليها الحكومات الواقعية لإضفاء الشرعية هي القيام بإجراء الانتخابات النيابية في البلاد ، إذ كثيراً ما تحولت الحكومة الواقعية إلى حكومة قانونية بعد إجراء مثل هذه الانتخابات ، فحكومة الدفاع الوطني التي نشأت بعد سقوط الإمبراطورية في فرنسا في 4 سبتمبر 1870 كانت حكومة واقعية ، ولكنها تحولت إلى حكومة قانونية بعد الانتخابات التي جرت في 8 فبراير . 1871
أما على الصعيد الدولي ، فعلى الحكومة الجديدة أن تُثبت للعالم الخارجي، أنها قادرة على حفظ الأمن والنظام على إقليم الدولة التي تدعي تمثيلها ، وأنها قادرة على القيام بالتزاماتها الدولية ، لكي تكون مؤهلة للاعتراف من جانب الدول الأخرى ، لأنها بحاجة إلى هذا الاعتراف لمواصلة علاقاتها بالدول الأخرى .
وقد عَرّف مَجمَع القانون الدولي الاعتراف بالحكومة بأنه : ( التصرف الحر الذي يصدر عن دولة أو عدة دول للإقرار بوجود سلطة أو حكومة معينة قادرة على حفظ الأمن وتمثيل الدولة القائمة في المجموعة الدولية والقيام بجميع التزاماتها تجاه الدول ) ويبدو أن مَجمَع القانون الدولي ، في تعريفه هذا قد أقر بمعيار الفاعلية للاعتراف بالحكومة الجديدة ؛ وعليه يشترط لهذا النوع من الاعتراف ، ان تثبت الحكومة أنها تقوم فعلاً بالسيطرة على إدارة الدولة وحفظ الأمن فيها ، وأنها قادرة على تنفيذ التزاماتها الدولية .
إن الدول حرة في الاعتراف بالحكومات الجديدة التي تأتي إلى سدة الحكم بطريقة غير دستورية ، وفقا لمصالحها السياسية ، ولها رفض الاعتراف بها حتى وان توفرت المعايير السابقة أن اقتضت مصلحتها ذلك ، وهناك العديد من الأمثلة والسابقات الدولية التي تُضرب تمثيلا في هذا الصدد ، فقد رفضت الدول الأوروبية لفترة طويلة الاعتراف بحكومة الإتحاد السوفيتي السابق ، ورفضت العديد من الدول الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية لما يناهز۲۰ عاماً، على الرغم من تحقيق الحكومتين المشار إليهما معيارالفاعلية ، وكذلك الحال
بالنسبة للحكومة التي أقامها المتمردون في هاييتي بعد الإطاحة بالحكومة عام ۱۹۹۱ ، وطرد رئيسها ( براتراند ارستید ) خارج البلاد .
تجدر الإشارة ، إلى أن الاعتراف بالحكومة الجديدة لا علاقة له بعضوية الدولة في المجتمع الدولي ، فهذه العضوية قائمة قانونا بصرف النظر عن تغيير الحكومة ، فدولة أفغانستان السيدة المستقة لا يعوزها اعتراف جديد من المجتمع الدولي بعد التغير الأخير في نظام الحكم في البلاد .
من الناحية الدولية فإن الإعلان عن الحكومة الجديدة لا تتحقق آثاره القانونية ، وخصوصا فيما يتعلق بممارسة الحقوق ، إلا بعد إعتراف الدول الأخرى بهذه الحكومة ؛ ذلك لأن الحكومة الجديدة وإن كانت ، طبقا لمبدأ إستمرارية الدولة ، ترث الحكومة القديمة من حيث الحقوق والإلتزامات منذ الإعلان عن نفسها بوصفها الممثل الجديد للدولة ، غير أن ممارسة أغلب هذه الحقوق ، كحق إبرام المعاهدات ، وحق تبادل التمثيل الدبلوماسي ، وتمتع ممثلي الدولة الجدد بالحصانات والإمتيازات الدبلوماسية ، تتوقف على إعتراف الدول الأخرى بها ، ويجب التنويه أيضأ إلى أن عدم الاعتراف بالحكومة الجديدة لا يؤثر في تحملها المسؤولية الدولية عن تصرفاتها .