د. وسام الفقعاوي –
الأول نيوز – يصادف اليوم الذكرى 51 لرحيل الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر، الذي لا تزال شخصيته حية في تاريخ مصر والوطن العربي والعالم الحر أجمع، وتحظى بمشاعر فياضة من المحبة والتقدير والاحترام، لما جسده من رمز للحرية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية وانحياز واضح للفقراء وانتماء قومي عروبي جياش، ودفاع عن فلسطين وقضيتها في كل المحافل الإقليمية والدولية والدعم الكبير والمتواصل طيلة حياته لثورتها، كيف لا وهو من قاتل على أرض فلوجتها عام 1948، وحوصر فيها واستشهد قائده على أرضها، ومنها أدرك فساد نظامه الملكي في القاهرة، وفساد وخيانة أنظمة الرجعية العربية، وكانت أرضها مهد التحضير لثورة 23 تموز/يوليو 1952، التي قادها مع رفاقه في السلاح من الضباط الأحرار.. فرغم العمر الطويل من الرحيل – بتاريخ 28/9/1970 – لا يزال “الزعيم” حاضراً اليوم معنا في ميادين التحرير العربية، التي ستعج يوماً بجماهيرها معلنة الثورات الحقيقية ضد الاستعمار والتبعية وأنظمتها الرجعية وإسرائيل، فهو القائل: “إن عدوي وعدو أمتي هو الاستعمار والرجعية المتعاونة معه، والقاعدة التي يتحفز منها لضرب أمتنا.. وهي إسرائيل”.
أدرك “الزعيم” بوعي “فطري عميق” دور الاستعمار والحركة الصهيونية في السيطرة على الوطن العربي من خلال احتلال فلسطين، بهدف ضرب وحدة الأمة العربية ونهب ثرواتها وإدامة تخلفها، حيث قال مخاطباً أبناء شعبنا الفلسطيني عام 1961: “حينما أتكلم إلى أبناء فلسطين فإنى أتكلم عن القضية العربية التى مست قلب كل إنسان عربى، أتكلم عن قضيتنا جميعاً.. فقضية فلسطين لم تكن أبداً قضية شعب فلسطين فقط؛ لأنها استهدفت العرب فى وطنهم الكبير، فى كل بلد من بلاد العرب. قضية فلسطين لا تعنى جهود الصهيونية فقط وجهود اليهود، ولكن قضية فلسطين منذ بدأت كانت تمثل تحالف الاستعمار العالمى والصهيونية العالمية ضد الأمة العربية والقومية العربية”.
لم تتوقف جهود الزعيم جمال عبد الناصر على دعم الحق العربي الفلسطيني والثورة الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني، بل دعم كل حركات التحرر في أفريقيا وآسيا وعلى امتداد أوسع في أربعة أرجاء العالم، وكان مبادراً لتشكيل دول عدم الانحياز مع الزعيم الهندي جواهر لال نهرو والإندونيسي أحمد سوكارنو واليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، في مواجهة الصراع والحرب الباردة بين معسكري/قطبي النظام الدولي: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي آنذاك.
ففي هذا اليوم، يوم الرحيل والوفاء، يحضر “انقلاب” يوليو بأبعاده الاجتماعية، الذي أعطى له المضامين الثورية، بإعلانه الصريح عن مضامين العدالة الاجتماعية المرجوة، وانحيازه الواضح للفقراء، وإقدامه على مشروع الإصلاح الزراعي، وفي هذا يقول: “كان السبيل للقضاء على الاستغلال الاقتصادى والاجتماعى فى الزراعة هو تحديد الملكية، توزيع الأرض على الفلاحين، إقامة جمعيات تعاونية للملاك الجدد، وفى نفس الوقت زيادة الرقعة الزراعية وتوزيع الأرض على الفلاحين. بهذا نستطيع أن نشعر أن الاستغلال بالنسبة للفلاحين وصل إلى وضع لا يمكن أن يشعر به الفلاح؛ بمعنى ان الفلاح حيكون مالك، وإذا كان الفلاح مالكاً بدل أن يكون أجيراً عند الإقطاعي، فهو حر، بنشعر إن الفرد تحرر. إذا أصبح الفرد متحرر وآمن على يومه، وآمن على غده وآمن على مستقبله؛ يستطيع أن يعبر عن إرادته بحرية، ويستطيع أن يقول أيوه أو يقول لا. كلنا نعرف فى الماضى إزاى كان الفلاح الأجير لا يستطيع أن يعبر عن إرادته؛ لأن هذا التعبير كان يؤثر في مستقبله، بل كان يؤثر فى معيشته كلها”.
من عاش من الأجيال فترة جمال عبد الناصر، ومن قرأ تجربته بموضوعية، يتذكر عناصر القوة السياسية التي مثلها، ومستوى التقدم والنمو الاقتصادي الذي رسخه، ومساهمته الرئيسية في نشر التعليم ومراكز الرعاية الاجتماعية والصحية والسكن الكريم في مختلف أنحاء مصر، وانتعاش مختلف ألوان الأدب والفنون، وفي سياق تأكيده على دور العلم في عملية التقدم والرقي والمستقبل الأفضل، قال عن الجامعات: “إن الجامعات ليست أبراجاً عاجية، ولكنها الطليعة التي تقود الشعب نحو مستقبل أفضل”.
رفع “الزعيم” الشجاع والمقدام لواء القومية العربية، ودافع عن الوحدة العربية، وسعى لها، مقتنعاً بأنها ضرورة وطريق خلاص الأمة من الاستعمار والتبعية والاستعباد، وطريق تحرير فلسطين، وعلى هذا الطريق، تأسست الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسوريا عام 1958، والتي شكل الانقلاب عليها عام 1961 ضربة قوية لجهوده الوحدوية، لكنه لم يفقد الأمل والعمل لتحقيق الوحدة العربية، فهو القائل: “إن القومية العربية لا يجسدها رجل واحد أو مجموعة من الرجال، إنها لا تتوقف على جمال عبد الناصر ولا على الذين يعملون معه، إنها كامنة فى ملايين العرب الذين يحمل كل منهم قبساً من شعلة القومية، إنها تيار لا يقاوم ولا تستطيع أية قوة فى العالم تحطيمها طالما بقيت محتفظة بثقتها فى ذاتها… إن الحركة العربية الواحدة هي الحل الوحيد والسليم”.
كان مؤمناً بدور الجماهير التي أحبها وأحبته، وعمل لها فأخلصت له حياً وميتاً، وبقي أميناً وحافظاً لكرامتها، فأعادته للسلطة، حين استقال بعد هزيمة عام 1967، وهي تهتف “هنحارب”، حيث أدرك مبكراً أنها السلطة الحقيقية: “إن الجماهير هي القوة الحقيقية والسلطة بغير الجماهير هي مجرد تسلط معادٍ لجوهر الحقيقة”. انطلاقاً من إيمانه بالجماهير ودورها، ففي أصعب المراحل التي مرت بها مصر وفلسطين والوطن العربي ككل، أعلن قائلاً: “إذا فُرض علينا القتال فلن يفرض علينا أبداً الاستسلام .. سنقاتل .. سنقاتل” …
لعل “الشخصية الجدلية” التي تمتع بها الزعيم العربي جمال عبد الناصر، جعلت كثيرون يختلفون معه، وكل من موقعه وارتباطاته وعلاقاته وخلفيته الأيديولوجية، وكان أكثرها تعبيراً هي محاولات الاغتيال العديدة التي تعرض لها فعلياً على يد “إخوان مصر”، بالتزامن مع المحاولات العديدة التي جاءت بها الوثائق المفرج عنها من قبل “صناديق” المخابرات البريطانية، وكشفت عن ضلوع عدة أجهزة مخابرات دولية في محاولات اغتيال له، والسؤال هنا: لماذا كانت كل تلك المحاولات التي التقى بها “أصدقاء الداخل” مع أعداء الخارج؟!