كفى تخبطاً يا وكيل الإعسار !

· د. سليمان صويص –

 

الأول نيوز – «عنزة ولو طارت»… هذا المثل هو أول ما يتبادر إلى الذهن لدى قراءة الإعلان الذي نشره وكيل إعسار شركة مصانع الإسمنت، د. رفيق الدويك، صباح اليوم في الصحف، وفيه يدعو إلى عقد اجتماع للهيئة العامة للدائنين صباح يوم الأحد المقبل 17/10، بواسطة «تقنية الإتصال الألكتروني المرئي والمسموع»، ويُبرّر ذلك ﺑ «إستناداً لأوامر الدفاع الصادرة بموجب أحكام قانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، ونظراً لما يحيط عقد الإجتماع وجاهياً من ظروف استثنائية، ولغايات توسيع قاعدة مشاركة دائني الشركة في الاجتماع والمحافظة على سلامتهم».

للوهلة الأولى، قد تبدو الحجج المذكورة أعلاه وجيهة ومقنعة للقارئ العادي غير المتابع لتطورات قضية إعسار شركة الإسمنت لافارج، وطريقة تعامل السيد وكيل الإعسار معها منذ أكثر من سنة. السؤال الأساسي الذي نوجهه إلى وكيل الإعسار : إذا كانت جميع المبررات السابقة صحيحة وواردة، لماذا تجاهلتَ أوامر الدفاع المذكورة عندما دَعوْتَ الهيئة العامة للدائنين وجاهياً لعقد اجتماع بتاريخ 27/9/2021 وفي 11/10/2021 ؟ هل كان الوضع الوبائي في البلاد جيداً، ثم تدهور بشكل خطير في ظرف يومين بحيث استدعى اللجوء إلى تقنية الإتصال الالكتروني؟! الجميع يعلم، بما فيهم السيد الدويك، بأن الكورونا قد تراجعت في البلاد منذ بضعة أشهر بحيث أصبحت الدول الأخرى تضع الأردن في «القائمة الخضراء»، أي الآمنة. وعليه صدرت تعديلات على أوامر الدفاع خفّفت من القيود وفتحت المدارس من جديد، وأصبح طبيعياً أن تحضر اجتماعاً عاماً يضم عشرات الأشخاص… فكم بالحري عندما نعرف بأن عدد الذين سيحق لهم الحضور من الدائنين، ولهم حق التصويت، محدود جداً ؟

السبب الحقيقي لدعوة وكيل الإعسار للإجتماع عبر التقنية الألكترونية هو تجنّب احتجاجات عمال وموظفي ومتقاعدي شركة لافارج التي تريد سلبهم حقوقهم الاجتماعية من خلال ما يسمى «خطة إعادة تنظيم الشركة»، واحتجاجات أهالي الفحيص لما تضمنته هذه الخطة من تجاهل تام لحقوق المدينة والاستحقاقات القانونية المطلوبة من شركة لافارج تجاهها.

والأنكى من ذلك توجّه الخطة إلى تسديد ديون الشركة من خلال بيع أراضٍ من الأراضي المقام عليها مصنع الإسمنت بدون إعادة تأهيلها، و«تطنيشها» للأخطار المحدقة بالأراضي، وعدم قابلية البناء عليها في وضعها الراهن؛ إذ نص قانون تنظيم المدن والقرى والأبنية وتعديلاته في مادته رقم 63 على ما يلي : «لا يجوز البناء في الأراضي الشديدة الإنحدار أو القابلة للإنهيار أو الإنزلاق التي تحدد على المخططات التنظيمية التفصيلية و/أو الإعمار، ويعتبر رفض الترخيص في هذه المناطق قطعياً وغير قابل للطعن بأي وجه من الوجوه». أما المادة 14 من القانون فتنص على ما يلي : «يُحظر إقامة أي أبنية في المناطق المبنية على خريطة استعمال الأراضي كمناطق الإنزلاقات والمناطق المعرّضة للإنهيارات»، وهذا ينطبق حتى على الأراضي الواقعة في الفحيص التي وردت في خطة إعادة تنظيم الشركة.

إننا إذ نركز على خطورة نية بيع لافارج لأراضٍ من أراضي الفحيص المقام عليها المصنع فلأن البنود الأخرى الواردة في الخطة والتي توحي لافارج من خلالها بانها ستساعد في النهوض بالشركة من جديد ما هي ـ أي تلك البنود ـ إلّا لذرّ الرماد في العيون، لأنها ـ كما اثبت خبراء ـ غير واقعية ومبنية على توقعات مبالغ بها، ولا تملك إلا حظوظاً محدودة للتنفيذ في ظل الأوضاع الإقتصادية الحالية المعروفة في الأردن، بحيث لا يبقى في النهاية إلّا باب بيع الأراضي لتسديد ديون الشركة. وهذا جرس إنذار إضافي للفحيص !

هذه هي الأهداف الحقيقية من وراء اللجوء إلى عقد الإجتماع بطريقة «زوم»، وهي أهداف لا تختلف كثيراً عن الأهداف القديمة التي كانت ولا تزال تسعى إليها لافارج : الوصول إلى مآربها المشبوهة من خلال القفز عن القوانين أو التحايل عليها، وبطريقة عقد صفقات من تحت السجادة. فما فشلت في الحصول عليه خلال السنوات الخمسة الماضية، ها هي تسعى إليه اليوم عبر طريق قانوني اسمه الإعسار، وإقرار خطة إعادة تنظيم للشركة يتحفظ عليها العديد من الدائنين، وليس فقط بلدية الفحيص. إن عدم توفر النصاب في اجتماعي 27/9 و 10/11 لم يكن سببه فقط الغضب العارم الذي عبّر عنه موظفو ومتقاعدو وعمال الشركة وأهالي الفحيص، بل أيضاً إحجام دائنين مهمين عن الحضور.

فهل ستتيح الطريقة الجديدة المجال للتلاعب وتمرير الخطة، حتى ولو كان ينطبق على المهزلة المثل الشهير «عنزة ولو طارت» ! لماذا لا يستعين وكيل الإعسار (مهنته الأساسية مدقق حسابات) بخبراء حتى يتجنب الوقوع في المطبات ؟ ولماذا يُصغي فقط لما تقوله له لافارج، بحيث أصبحت محاباته للشركة مكشوفة، ولذلك طلب مؤخراً أهالي الفحيص عزله من خلال يافطاتهم وقدّمت الجمعيات العشائرية في الفحيص طلباً رسمياً بذلك إلى رئيس المجلس القضائي؟ الأصل في وكيل الإعسار، وفقاً للقانون، أن يكون متوازناً بحيث يحترم حقوق ومصالح جميع الأطراف، وليس فقط طرفاً واحداً.

المؤلم والمثير للحنق إلى أقصى الحدود هو حالة التواطؤ التي يشعر بها أهالي الفحيص وعمّال الشركة، ما بين الشركة والسلطات العامة، كما لو أن لافارج هي «سيدة اللعبة»، بالرغم من تخبط وكيل الإعسار ومخالفته لقانون الإعسار نفسه، يدعمها في ذلك صمت المتنفذين وذوي السطوة في الدولة.

نقطة أخيرة للتذكير: بالأمس (الأربعاء 13/10/2021) أكّدت محكمة الإستئناف للمرة الثانية قرارها برد طلب إعسار شركة لافارج.. وللعلم: تقدّمت الأستاذة رانية صويص، محامية بلدية الفحيص صباح اليوم الخميس 14/10/2021 بطلب للقضاء بوقف إجراءات إعسار شركة مصانع الإسمنت الأردنية لافارج، إستناداً لقرار محكمة الإستئناف المذكور. كما أكدت المحامية انها سجّلت رسمياً أيضاً إعتراضاً على التوجه لعقد اجتماع الشركة مع الدائنين بالوسائل التقنية وليس وجاهياً.

ماذا بعد ؟

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

السادية في التعامل مع أهل غزة: حين يتحول الإيذاء إلى سياسة ممنهجة

الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب منذ ما يزيد على 17 عامًا، …