محمد صلاح –
الأول نيوز – لا تستغرب إذا قرأت أن “الإخوان المسلمين” كانوا في “مهرجان الجونة”! إذ لا يمكن الفصل بين ما جرى في المهرجان الذي اختتم أخيراً في تلك المدينة المصرية المطلة على البحر الأحمر وبين التفاعلات السياسية في مصر، ليس فقط لأن المهرجان صار يُستغل بواسطة تنظيم “الإخوان” للإيحاء بأن مشاهد العري فيه عاكسة للأجواء التي تعيشها مصر بعد زوال حكم الجماعة، أو لأن الضجة المصاحبة لوقائعه شغلت الناس نظراً لكثافة التغطيات الإعلامية، خصوصاً لمسار ووقفات الفنانين والفنانات على بساطه الأحمر، ولكن الأهم لأن دورة مهرجان السنة الحالية شهدت جدلاً حول حرية الرأي والتعبير والتمثيل! ونقاشات، وربما مشاجرات لفظية، حول فيلم “ريش” الذي نال جائزة بعدما انسحب بعض الفنانين أثناء عرضه لأنهم اعتبروه يسيء الى سمعة مصر لاحتوائه على مشاهد مقززة وتصويره الحياة في منطقة عشوائية بتفاصيل رأى بعضهم لا تعكس الواقع المصري في الفترة الحالية.
بغض النظر عن الرأي النقدي للفيلم ومستواه التقني والفني، ورغم المبالغات الصارخة في بعض مشاهده، وكون جهات أجنبية انفقت على انتاجه، إلا أن الميّزة في ما جرى هي تلك المعلومات الكثيفة التي طرحت حول قضية العشوائية التي ضربت مصر لعقود وجهود الدولة في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي للتعاطي مع الأزمات التي افرزتها العشوائيات، والأحياء التي جرى هدمها ونقل المقيمين فيها الى مناطق أخرى حضارية حديثة، والأزمة العنيفة التي وجد “الإخوان” أنفسهم فيها بسبب تجريف الأرض الخصبة التي اعتمدوا عليها لعقود لتجنيد عناصر جديدة للتنظيم.
“الإخوان” يشنون حملة ممنهجة ضد حكم السيسي ولديهم أسبابهم المعروفة، إذ تسيطر عليهم دوافع ثأرية بعدما أطاح الرجل بآمالهم في حكم مصر إلى الأبد، ونفذ إرادة الجماهير التي ثارت ضد التنظيم حفاظاً على الوطن، وهناك أيضاً نشطاء المنظمات الأجنبية الذين تدرّبوا في الخارج حاولوا تنفيذ ما تعلموه في الداخل لإسقاط الحكم لأن ولاءهم الأساسي ليس للدولة وإنما لمن درّبوهم وأنفقوا عليهم ومنحوهم الأموال والجنسيات، إضافة الى بعض الناصريين واليساريين الذين وقفوا مع السيسي ومنّوا أنفسهم بمواقع ومزايا لم يكافئهم بها الرجل فانقلبوا عليه بعدما فقدوا الأمل في نيل ثمن مواقفهم، وإن كان بينهم بعض وجوه 25 كانون الثاني (يناير) 2011.
ورغم الاستخدام السلبي لقضية العشوائيات لا يمكن انكار أن هذه القضية استفحلت لأسباب شعبية أيضاً، إذ نشأت فئات وكأنها استفادت منها بل وساعدت في تفشيها، من بينهم رجال أعمال استحوذوا على الأراضي الصالحة للبناء وتركوا الناس يتزاحمون فظهرت أجيال تراهم وهم يسفّهون كل إنجاز ويتهكمون على كل من يؤدي دوراً وطنياً … وعند متابعتك لأحوالهم تجدهم يحزنون إذا قرأوا خبراً مبهجاً ويتألمون إذا شاهدوا إنجازاً مفرحاً ويكتئبون إذا وجدوا الشعب متفائلاً، وصاروا ينتعشون بالحزن والغم والكرب ويجدون أنفسهم مع كل مصيبة أو حادثة أو كارثة … لهم لغتهم ومفرداتهم وحتى طرق نطقهم للكلام، يحسدون ثوار ليبيا الذين خربوا بلادهم وتفرقوا ليعيشوا خارجها، ويأملون في ما لو كانوا مكان ثوار سوريا الذين دمروا وطنهم ويعيشون في أوروبا، ومعجبون بثوار اليمن الذين فتتوا يَمَنهُم و”خلعوا” ليعيشوا في تركيا الآن، هم أبناء الربيع الذين يعيشون خريفاً مستمراً!
والحقيقة أيضاً أن الحكومات المتعاقبة ظلت تنأى بنفسها عن تقديم العلاج أو حتى وصفه، وتفادت دائماً البحث عن حلول لانشغالها بأمور أخرى، فتفشى الفقر وانتشر الجهل وزادت معدلات الجريمة وصارت تربة العشوائيات خصبة جداً لتنظيمات مثل “الإخوان” كي تستقطب منها الغاضبين والناقمين واليائسين لتبشرهم بالجنة في الآخرة، بعدما فقدوا أي أمل في الدنيا، ولذلك لم يكن غريباً أن يخصص التنظيم، الذي دخل أخيراً في أزمة كبرى تهدد مستقبله تتعلق بالانشقاق الذي ضربه، موازنة ضخمة لملاحقة أخبار أزمة فيلم “ريش” في “مهرجان الجونة” وإعادة نشر أو بث كل رأي انتقد الفنانين المنسحبين من قاعة العرض مع عرض مشاهد من الفيلم أو أفلام قديمة عرضت لقضية العشوائيات، فصارت أخبار “مهرجان الجونة” يمكن متابعتها على منصات “الإخوان” أكثر من الصحف والمجلات الفنية وبرامج المنوعات! (النهار)