الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – وأخيرًا اهتديت إلى إنسان أثنى عليه جميع عارفيَّ. لطالما بحثتُ عن شخص أستنير من خبرته وطول باعه في الحياة، شخصٍ دعكته الحياة فأصبح خبيرًا في شؤونها والشجون. أخذتُ منه موعدًا فاستقبلني بكلِّ ترحاب وفرح. قعدنا ساعة من الزمن خلتها دقيقة؛ ولئلاَّ أثقِّل عليه اعتذرتُ وانصرفت وأنا أرغب في البقاء أكثر والتحدُّث مع شخص مثله، مردِّدًا في نفسي: “هوذا رجل يمكن الركون إليه في أمور الحياة كلِّها”.
وتواترت اللقاءات وفي كلِّ مرَّة أكتشف ما يحمل هذا الرجل في جعبته من غنى فكريّ وإنسانيّ، ولكن، بالمقابل، اكتشفتُ أيضًا أنَّه إنسان له نزواته وضعفه. ما يميِّزه عن غيره أنَّه يُدرك هذا الضعف فيه ولا يخجل منه بل يعترف به جهارًا ولا يخبِّئه محاولاً السيطرة عليه. وفي كلِّ مرَّة أكتشف أكثر فأكثر أنَّه شبيه بكلِّ البشر، يقترف الأخطاء والهفوات، يقع بسرعة الغضب ولكنَّه يسيطر عليه بسرعة أيضًا، ينتقد الآخرين ولا يلبث أن يمدح حسناتهم…
ما اعتقده الآخرون كمالاً فيه، وجدتُه عاديًّا بعد مرور الوقت. وما رآه الآخرون عيبًا فيه وجدتُه ثقة بالذات وقبولاً لها. وهذا ما شجَّعني على الاستناد عليه كمرشد وموجِّه لحياتي المقبلة.
هذه هي الحياة، تعطينا كلَّ أنواع البشر والمخلوقات. والقاسم المشترك لدى البشر أنَّ للجميع نواقصهم وضعفاتهم، ولكنَّ الحياة لا تحلو إلاَّ بهم. فالقول المأثور: “الجنَّة دون الناس لا تُداس”، هو قول صادق. فلنقنع بما وضعه الله في دربنا، لأنَّ السعادة الحقَّة لا في ما نأخذه من الآخرين، بل في ما نعطيه الآخرين.
سألتُ يومًا شابًّا “طموحًا” هل هو سعيد في حياته؟ فاستنكر سؤالي وقال لي: “لا، لستُ سعيدًا فليس عملي هذا ما طمحتُ إليه”. وبعد خمس سنوات، استلم منصبًا أعلى. وعند السؤال ذاته، قدَّم لي الجواب ذاته. وبعد عشر سنوات، أصبح مديرًا لشركة كبيرة جدًّا. ولكنَّ الجواب ظلَّ هو هو. عندئذٍ اكتشفتُ أنَّ حزنه ليس ناتجًا عن وظيفته، بل عن عدم رضاه عن ذاته. فمهما علا منصبه وارتفع، ولو أصبح رئيس دولة، لن يجد السعادة أبدًا في حياته.
بينما أعرف شابًّا آخر، لا يملك القدرات العقليَّة الخارقة، بل هو إنسان عاديّ جدًّا، ويعمل في وظيفة بسيطة للغاية، وبالرغم من ذلك، كلَّما ألتقي به، أرى الفرحة على محيَّاه، وعندما سألته مرَّة: “ما سرُّ سعادتك؟” فأجاب: “القناعة هي أساس الحياة السعيدة. فأنا فرح في عملي، أعطاني الله زوجة رضيَّة ورزقني ولدين رائعين…”
لا تبحث عن الكمال في هذه الحياة، لئلاَّ تقضي عمرك كلَّه في التفتيش دون هوادة، لأنَّ الكمال الحقيقيّ ليس في هذا العالم. ولا تنتظر أن تأتيك السعادة من علُ، لأنَّ السعادة هي ملك يديك، أنتَ تصنعها بذاتك، وأنتَ تفقدها بذاتك، بل كن سعيدًا بما تملك، وكن أكثر سعادة بما تعطي! جرِّب لئلاَّ تندم!