الدكتور أيمن سلامة-
الأول نيوز – ألقى النزاع المستعر بين بيلاروسيا من جانب و بولندا من جانب آخر، أضواءاً كثيفة علي مفهوم قديم جديد لما يسمي بالحروب الهجينة التي ما انفكت تلجأ الدول والفاعلين من غير الدول إليها ، وتنامي ذلك اللجوء في العقود الأخيرة ، ووصل مدي ذلك الإنتشار للحدالذي جعل دولاً عديدة منها الولايات المتحدة تُصدر تعليماتها لأجهزتها ووسائل إعلامها المختلفة باستخدام المصطلح أو عدم استخدامه وفق المصالح النفعية لهذه الدول .
تُعد الحرب الهجينة مفهوما حديثاً للحروب المستجدة غير التقليدية التي لا تتوافق مع المفاهيم و الأنواع المختلفة للحروب السابقة، وبشكل عام فالحروب الهجين ، خلافا لأنماط الحروب التقليدية ، تتبني تكتيكات غير مألوفة ، وفي معظم الحالات تتجاهل مبادئ قانون الحرب التقليدية، ويجمع الشراح في هذا السياق علي أن هذا النوع من الحروب لازال يشكل “المنطقة الرمادية” التي تتسع لعديد من التفسيرات و التحليلات المختلفة .
بالرغم من ذلك ، هناك عدد من الخصائص المتفق عليها لوصف هذا النوع من الحروب، مثل: الصراع منخفض الكثافة أو العمليات منخفضة الكثافة ، والحروب الصغيرة ، والحرب غير النظامية ، والحرب غيرالمتكافئة ، والعمليات العسكرية بخلاف الحرب ، و كل هذه العناصر تتضمن عناصرالتهجين ، حيث تستخدم الحكومات الغربية تكتيكات هجينة وتأتي عمليةالتهجين في المقدمة في عمليات مكافحة التمرد ، ومكافحة الإهاب.
و يعد اتهام الاتحاد الأوروبي بيلاروسيا باللجوء إلي الحرب الهجين في أزمة العالقين علي الحدود البيلاروسية ـ البولندية مثالاً كاشفاً عن أحد أنماط الحروب الهجينة التي تلجأ إليها الدول في بعض الحالات والأزمات و النزاعات .
تعد الحرب الهجينة ، “حرب غير نظامية معقدة” ، حيث تتضمن الحروب الهجينة مجموعة من أنماط الحرب المختلفة ، بما في ذلك القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية ، و مكافحة الأعمال الإرهابية بما في ذلك العنف العشوائي والإكراه والاضطراب الإجرامي.
ما يحدث على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا نموذج جديد لنوع حديث من الحروب ذخيرتها لاجئون خرجوا من بلدانهم بحثاً عن فرص حياة أفضل، ليجدوا أنفسهم وقودا في معركة جيوستراتيجية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
يحمل هذا النوع الحديث من الحروب اسم “الحروب الهجينة”، أو “الحروب المختلطة”، وفقا للتسمية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في توصيفه لهذه الأزمة، ويسميها باحثون حروب “المنطقة الرمادية”، وهي حروب تستعمل فيها كل الوسائل إلا الأسلحة، وإذا استعملت فمن دون تحمل المسؤولية عن ذلك!
فالأزمة بين الاتحاد الأوروبي وبيلاروسيا ليست جديدة، لكنها استعرت العام الماضي بعد إعادة انتخاب ألكسندر لوكاشينكو رئيسا للبلاد التي يقودها منذ عام 1994،فالاتحاد الأوروبي لم يعترف بنتائج هذه الانتخابات بسبب ما شابها من تزوير وعنف ضد المعارضة وفقا للتأكيدات الأوربية، ومن ثم فرض الاتحاد عقوبات ضد بيلاروسيا توسعت بعد إقدام بيلاروسيا في 23 مايو/أيار 2021 على إنزال طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية “رايان أير” بالقوة بغية اعتقال الصحفي المعارض “رامان براتاسيفيتش” (Raman Pratassevitch) الذي كان على متن الرحلة.
لم يقف الرئيس ألكسندر لوكاشينكو الحليف المقرب من موسكو مكتوف الأيدي، بل ضرب حيث يوجع، فاستعمل سلاح الهجرة ، ووفق الرواية الأوروبية التي تعضدها الوقائع على الأرض، فقد فتح لوكاشينكو باب منح التأشيرات لمواطني دول تعيش أوضاعا إنسانية صعبة من الشرق الأوسط ومن دول أفريقية.
وهكذا استقبلت بيلاروسيا آلافاً من الراغبين في الوصول إلى أوروبا من سوريا والعراق واليمن ودول أفريقية، ولم يبق غير الدفع بهؤلاء إلى الحدود مع بولندا بوابة الاتحاد الأوروبي، فوجدت بولندا نفسها ومن ورائها الاتحاد الأوربي في مواجهة أزمة لجوء جديدة وضعت الأوروبيين في حرج سياسي وأخلاقي.
لم تتردد بولندا خطوة واحدة في مواجهة موجة اللجوء الجديدة؛ أغلقت حدودها مع بيلاروسيا، ونشرت 15 ألف جندي على امتداد حدودهما المشتركة التي تمتد على مسافة 400 كيلو ، وأعلنت أنها لن تسمح لأي طالب لجوء بعبور الحدود إليها.
في الوقت نفسه، اتهمت جارتها بيلاروسيا بتدبير هذه الأزمة لابتزاز الاتحاد الأوروبي، بل إن رئيس الوزراء البولندي اتهم بيلاروسيا بشنّ حرب ضد بلاده “ذخيرتها هم اللاجئون “.
جاء الموقف الأوروبي دائنا ومنذرا بعقوبات جديدة ضد ما وصفه متحدث باسم المفوضية بسلوك “الصعاليك”، في إشارة إلى استقدام اللاجئين إلى الحدود البولندية وفقا للاتهامات الأوروبية ، وبدا واضحا أنه لا يستعجل حل هذه الأزمة، فقد أعلن في بيلاروسيا عن بدء بناء مخيم للاجئين على الحدود وهو ما يعني إطالة أمد هذه الأزمة واستعمالها ورقة في مواجهة الأوروبيين لأطول وقت ممكن.
أياً ما كان ، وغض النظر عن المواثيق الدولية المختلفة لحقوق الإنسان يجب في كل الأحوال و الأوقات الحفاظ علي و احترام الكرامة الإنسانية لهؤلاء العالقين علي الحدود البولندية ـ البيلاروسية .