ثق بنفسك

 

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – دُعيتُ يومًا إلى معرض للكتاب العربيّ، رحت أدور داخل المعرض من دار إلى دار، لفتني عنوان مكتوب عليه دار فلان، فتعجَّبتُ ودخلتُ إلى جناحه، فاستقبلني بذاته فقلتُ له:

  • أدهشني عنوان الدار!
  • لستَ الأوَّل الذي يقول لي ذلك. لو سمحتَ أخبرتك لماذا اخترتُ اسمي عنوانًا لهذه الدار. أجدُ لذَّة في رواية هذه القصَّة لما فيها من عبرة لي ولغيري.
  • تفضَّل.
  • كنتُ في الصفّ النهائيّ للمدرسة، عندما دخل علينا صاحبُ دار معروفة وأخبرنا أنَّه يبحث عن كتَّاب جدد، يستعين بهم لتأليف كتب خاصَّة للأطفال. وسأل: “من يرغب في الانضمام؟” فرفعتُ يدي بكلِّ حماسة وأجبتُه: “أنا”. نظر إليَّ رفاقي كلُّهم مستغربين هازئين. فقعدتُ بعدما علا الاحمرار وجهي خجلاً. فقال أستاذ اللغة العربيَّة الحاضر مع صاحب الدار: “هذا التلميذ لا يصلح للكتابة فعلاماته في اللغة العربيَّة والإنشاء دون المستوى المطلوب”. أمّا الرجل فلم يكترث لما سمعه بل قال لي: “دعني أراك وقت الاستراحة”.

“دُقَّ جرس الاستراحة، فتوجَّهتُ مباشرة إلى مكتب اتَّخذه صاحب الدار لاستقبال المرشَّحين لهذا العمل. كنتُ أوَّل الوافدين. دخلتُ إليه مطأطأ الرأس ولا أعرف كيف أنسحب. أمّا هو فأخذ اسمي ورقم هاتفي المنزليّ – لم يكن الجوَّال معروفًا في شبابي – وقال لي بالحرف الواحد: “لا تكترث أبدًا لأقوال الناس. إن أردتَ شيئًا فاسعَ إليه ولا تتردَّد. فالشخص الوحيد الذي تحتاج أن يؤمن بك، هو أنت نفسك”.

“كتبتُ رواية أولى في غضون أيَّام قليلة، استعنتُ في تصحيحها إلى شخص يحبُّني هو أستاذي في التاريخ الذي يتقن جيِّدًا اللغة العربيَّة. أعجبتِ الرواية صاحب الدار وأثنى على عملي ولكنَّه أعطاني ملاحظات كثيرة أخذتها بعين الاعتبار ودوَّنتها. وكم كانت فرحتي عظيمة عندما صدرت لي تلك الرواية بعدما تمَّ تصويرها لتكون في متناول الأحبَّاء الصغار! وكم كان اندهاش رفاقي كبيرًا عندما رأوا تلك الرواية مطبوعة وممهورة باسمي!

“عند كتابة الرواية الثانية راجعتُ الملاحظات التي أعطاني إيَّاها صاحب الدار وعملتُ بها… وبعدما طُبع لي عشرة كتب استدعاني صاحب الدار وقال لي مجدَّدًا: “أنتَ كاتب غزير الإنتاج. لا تدعْ أحلامك تتوقَّف عند هذا الحدّ. مكانُك أسعى لإنشاء دار خاصَّة بي”.

“توجَّهتُ إلى أبي الفخور بي وطرحتُ عليه المشروع فقال لي: “الفكرة لا بأس بها. ما تحتاج إليه هو أن تحصل على ترخيص بإنشاء دار خاصَّة بك. وهذا أمر سهل للغاية. دع الأمر لي. أمّا أنت، فاهتمَّ بدروسك أوَّلاً، وأنهِ شهادتك في اللغة العربيَّة وآدابها، وفي وقت تسليتك اكتُبْ”.

“وتراني حقَّقتُ حلمًا بفضل ثقتي بذاتي، وبفضل كلام أبي وكلام صاحب الدار الذي آمن بي هو الآخر. أطبع لدى مطابع عديدة. ولا أطبع كتبي فقط، التي فاق عددها حتَّى الساعة المئة كتاب، بل أطبع أيضًا كتبًا لكتَّاب مبتدئين، أقوم بتصحيح لغة كتبهم وأساعدهم على أن ينطلقوا هم أيضًا في الكتابة…”.

تركتُ الكاتب وأنا أردِّد في سرِّي: “الشخص الوحيد الذي أحتاج أن يؤمن بي، هو أنا”.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

السادية في التعامل مع أهل غزة: حين يتحول الإيذاء إلى سياسة ممنهجة

الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب منذ ما يزيد على 17 عامًا، …