هل تطمس عودة حمدوك المشهد  الرمادي في السودان ؟

الدكتور أيمن سلامة  –

 

الأول نيوز – لم يكن السودان محصنًا من الجغرافيا السياسية المضطربة علي الصعيدين الإقليمي و الداخلي طيلة ثلاثة عقود من حكم البشير، وعُزلت السودان نسبيا عن المحيط العالمي جراء خضوع البلاد للعقوبات الدولية ، وبالرغم من من انتهاء هذه العزلة ، لكن الساحة السياسة الداخلية لاتزال في حالة تغير مستمر لم تشهده منذ الاستعادة القصيرة للحكومة المدنية المنتخبة في منتصف الثمانينيات.

مَثّلت عودة رئيس الوزراء  المعتقل ” حمدوك ” مفترقا لكافة الطرق و المحاور الداخلية و الإقليمية و الدولية ، فالعودة  الملتبسة لحمدوك لذات البورتريه الرمادي بعد الحجر  القسري له من قبل  الجيش  السوداني ستساهم ، وبلا مشاحة ، في ذات التحديات الكثيرة التي تحول دون تجسير العلاقات التي تقطعت ، و توطيد الوشائج التي تقطعت  بين المكونيين العسكري و المدني في السودان ، فلا يمكن  الجزم بأن عودة حمدوك تمثل ، في نهاية المطاف، ليلة  الزينة للسودان شعباٌ وحكومة .

فالضائقات الاقتصادية والاجتماعية لم تتم معالجتها بعد، والآليات المعهودة للتحول الديمقراطي و إعادة  البناء الهيكلي و المؤسسي و الإجتماعي للدولة منذ خلع نظام البشيرلم تُطرق حتي  الآن ، وليس بمعزل عما سبق الصراعات  و الأزمات  الإقليمية في  دول  الجوار للسودان في القرن الإفريقي ، وكل هذه التداعيات السلبية المباشرة تعمق الجراح  الغائرة بالفعل في الجسد  السوداني .

لقد لعبت الولايات المتحدة و بدعم من الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومصروالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (الإمارات العربية المتحدة) وغيرهم من الشركاء الدوليين والإقليميين أدواراً فاعلة من أجل حلحلة الأزمة وإزاحة الأحجار العثرة بغرض عودة حمدوك من أسره و تطبيع العلاقة بين المكونيين المدني والعسكري ، ولكن لا تزال الأكمة في موضعها ، حيث لم تتخذ بعد أية آليات ناجزة من أجل إصلاح مسار العلاقات المدنية العسكرية في السودان وفق الأسس الدستورية التي حددها الإعلان  الدستوري التي عُطلت أهم مواده اللصيقة بتحديد  الإختصاصات و الصلاحيات للمكون  المدني تحديداً .

بالنسبة للمكون المدني في المجلس الإنتقالي فلا لطالما نظرت العناصر الراديكالية في ذلك المكون بنظرة ريبة وتوجس للقوات  المسلحة في السودان بشكل عام بحسبانها تهددإرهاصات التحرير والسيادة و الديمقراطية منذ خلع نظام البشير في عام 2019 ، كما يزعمون أن  ليسثمة ما يشير إلى أن الجيش خطط على الإطلاق لتسليم السلطة فعليًا إلى القادة المدنيين ، مما أدى إلى تأجيج التوترات مع اقتراب الموعد النهائي للتخلي عن السيطرة على مجلس السيادة الانتقالي للمدنيين.

وطالت نظرة الريبة و التوجس للمكون العسكري عدداً من القادة  العسكريين السودانيين الممثلين في  المجلس السيادي ، وعلي رأس هؤلاء ، تمثيلاً ، نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي “حميدتي” ،وقائد قوات الدعم السريع والتي كانت خلال الحرب في دارفور مسؤولة عن أعمال عنف غير مسبوقة وجرائم حرب.

أيضاً لا يمكن في ذات الوقت تبرئة القيادات  المدنية في المجلس  الانتقالي فضلا عن الحكومة السودانية من التقصير بسبب المشاكل المتواترة، ويأتي في الصدارة من هذه المشاكل : الوضع الاقتصادي و الإجتماعي اللذان لم يتحسنا بسرعة، ولم يشفع للمكون المدني أن ثلاثين عامًا من ديكتاتورية عمر البشير تركت خزائن الدولة فارغة ، والاقتصاد في حالة انهيار ، وانتشار الفساد وصار نصف السكان يعيشون  تحت خط الفقر ، وأن الولايات المتحدة والبنك الدولي قطعا المساعدات الخارجية الضرورية لبقاء وتحسين الظروف الأساسية للحياة في البلاد ، أيضاً انجرف العديد من شخصيات المجتمع المدني البارزة في صراعات على السلطة لا طائل من ورائها وأتت بنتائج عكسية  .

تقف عقبات كبيرة في طريق التحول الديمقراطي ،  والأهم من ذلك هو الانقسام داخل المعسكر المؤيد للديمقراطية ووجود مجموعات مدنية مهمة تدعم الجيش ، و الانقسامات الطائفية العميقة في جميع أنحاء البلاد ستعيق كل مسار عمل ، وليس فقط لحكومة مدنية، والأخطر في ذات  المقام فإن الحروب الأهلية المتتالية والصراعات الداخلية في عديد الأقاليم في السودان خلفت أكثر من مليوني قتيل  تبرز ضرورة تصحيح  المسار  المعوج في العلاقة العلاقات المدنية العسكرية ، ولكن تظل  الدوجمائيةالتي تهيمن علي سلوك وتوجه نفر من المكونيين عقبة كؤود ينبغي التحلل منها .

إن الكي هو الترياق لبؤر التصدع و الصداع ، فمن الأهمية بمكان إنشاء هياكل حوافز مختلفة لتشجيع جيل جديد من القادة ، وضباط الرتب المتوسطة والصغار ، لمعرفة فوائد التعاون و العمل  مع السيطرة المدنية ، وليس ضدها،وهنا فالهدف ليس معاقبة القوات المسلحة على انقلاب 25 أكتوبر ،بقدرما هو إظهار أن تأكيد السيطرة المدنية يوفر فرصة لهم أيضًا ومنحهم حصة في نجاح التحول الديمقراطي ، لذلك ، يجب أن يكون استبدال قيادة القوات المسلحة السودانية مصحوبًا بإصلاحات هيكلية تهدف إلى نزع الطابع السياسي عن الجيش ، وتعزيز كفاءته المهنية وروح الفريق ، ومعالجة الثغرات في قدراته ، كمت ينبغي وضع الأطر المؤسسة لإصلاح قطاع الأمن كما فعلت كافة  الدول  التي خبرت بالتحول  الديمقراطي .

يمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة والأمم المتحدة قيادة هذا الجهد بالطريقة التي قاموا بها منذ عام 2013 ، بنجاح كبير ، للجيش اللبناني ، كما يمكن أن يكون هذا الإطار وسيلة لإدماج القوى الإقليمية التي لديها أكبر الرهانات في استقرار السودان مثل : مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ختاما ، فضلاً عن  التحديات السابق ذكرها هناك  العديد من  التحديات الأخري التي تعيق فرض  الإتساق بين الشريكين  العسكري و المدني في  السودان ، ولكن من المهم معالجة المنغصات  الأزلية التي تحول دون تجسير علاقة متوازنة بين  المكونين .

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

حق الدولة في الحياد

الاول نيوز – د. خالد الحريرات البطوش في روما القديمة ساد منطق ان من ليس …