من أيِّ صنف أنت؟

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – لا يتعلَّم الإنسان إلاَّ في الشدَّة. هذه المقولة سمعتها كثيرًا وهي صحيحة فعلاً. لذلك يُقال عن الرجل القدير المحنَّك هو رجل اختبر الحياة وما فيها من صعوبات ومشاكل، واستطاع أن يخرج منها منتصرًا ظافرًا، والبسمة تملأ ثغره.

ومن الحِكم التي استوقفتني كثيرًا واتَّخذتها عبرة لحياتي، هي مأخوذة من واقع الحياة وتصلح أن تكون عبرة لكلِّ من أراد أن يعتبر.

توجَّه شابٌّ رخص العود إلى والده التاجر الكبير وأخبره أنَّه يعاني كثيرًا في عمله الجديد، فبعض الزملاء يسخرون منه بل يتنمَّرون عليه، والمدير يعطيه الملاحظة تلو الأخرى وهو لا يدري كيف يواجههم جميعًا. فأجابه والده: “هلمَّ معي إلى المطبخ”.في المطبخ، وضع على النار في وعاء مملوء مياهًا جزرة وبيضة وترك الوعاءيغلي فترة من الزمن حتَّى تمَّ سلق البيضة والجزرة. ثمَّ وضع بنًّا في ركوة وصنع قهوة طيِّبة المذاق. وقعد يحتسي القهوة مع ابنه بهدوء. ثمَّ قال لابنه:

  • “أرأيت ماذا فعلت؟
  • نعم.
  • ماذا جرى للجزرة وللبيضة؟
  • تمَّ سلقهما.
  • وماذا حلَّ بالبنّ؟
  • صار قهوة طيِّبة المذاق.
  • حسنًا. الجزرة قاسية بطبعها ولكن بعد سلقها أضحت ليِّنة. والبيضة المليئة بالزلال والصفار السائلين، تجمَّدت بفعل الحرارة فيها. بينما البنُّ المطحون تحوَّل في الماء إلى شراب زكيّ الرائحة والطعم. فالجزرة القاسية ضعفت بسبب الحرارة، والبيضة اشتدَّت بفعل الحرارة ذاتها، بينما البنُّ تغلغل في الماء وحوَّله إلى شراب لذيذ بفعل الحرارة ذاتها. كذلك كلُّ إنسان يتأثَّر بصعوبات الحياة ومتاعبها بحسب تعامله معها. فقد يضعف عند أقلِّ تجربة كالجزرة، وقد يقسو فيصبح أحيانًا عدوانيًّا كما جرى للبيضة. أمّا الإنسان الذكيّ فهو الذي يعرف كيف يمتصُّ المشكلة ويستفيد منها كالبنّ المتحوِّل إلى قهوة لذيذة، فتقوِّيه ليجابه ما هو أقوى منها. يا بُنيّ، كلُّ إنسان في الحياة عرضة يوميًّا لمشكلة أو أكثر، فعليه أن يتعلَّم كيف يواجه تلك المشاكل بروح صبورة وطول أناة، بل يتعلَّم منها كيف يتخطَّاها ويجعل منها مصدر قوَّة له ليتغلَّب على مثيلاتها وهي كثيرة”.

يكون المرء ناجحًا بقدر ما يتخطَّى الاختبارات والامتحانات الصعبة. فالمثل القائل: “من طلب العلى سهر الليالي”، هو سرُّ نجاح كلِّ إنسان. فالمثابرة في الرياضة القاسية تجعل الجسم مليئًا بالعضلات، وركوب المخاطر وتخطِّيها ترفع الرياضيَّ إلى درجة الأبطال، والأمواج العالية تحوِّل البحّار المبتدئ إلى بحَّار ماهر، والطيَّار الجيِّد يعرف كيف يهبط بطائرته سليمًا وسط العواصف.

فليكفَّ كلُّ واحد منَّا عن التذمُّر من قساوة الحياة وصعوباتها، ولندرك أنَّ تلك القساوة تجعل منَّا رجالاً ونساء قادرين على تبوُّء أعلى المراتب والمراكز. بينما نرى أنَّ ضعاف النفوس الذين يتراجعون عند أوَّل تجربة يقبعون في مكانهم لا طموح لهم ولا أحلام. تُرى من أيِّ صنف أنت؟

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

حق الدولة في الحياد

الاول نيوز – د. خالد الحريرات البطوش في روما القديمة ساد منطق ان من ليس …