الدكتور سهيل الصويص –
الأول نيوز – اليوم وقد وصل الوضع الوبائي لمرحلة تهدد مصير الكثيرين نطلب منك يا أردن أن تعذرنا فلقد خذلناك وجلسنا في منصة المتفرجين نتابع بشغف مبارزتك مع عدو مجهري خبيث. لن نلومك أيها الفيروس اللعين فأنت لم تلدغنا وتغدر بنا في عتمة الليل بل فرشنا لك سجادة حمراء لكي تصل إلى بيوتنا وعروقنا وتفتك برئاتنا .
منذ البداية كنّا لك خير صديق من عرس اربد حتى العمري وثغرة جابر الحدودية القاتلة في 8 اَب 2020 التي مهدت لك الطريق لتفتك في نوفمبر 2020 ب 1920 قريب وحبيب وتصيب 146 ألف أردني ومن ثم هدأت عدوانيتك خلال فصل الصيف ومن كثرة فرحتنا أقمنا لك الحفلات الصاخبة ليتجمع الاَلاف دون تباعد ولا كمامات وتزداد الإصابات حسب أرقام وزارة الصحة ويتدهور الوضع الوبائي بعد عشرة أيام من حفلة 8 أكتوبر وما تبعها من حفلات أخرى فكانت النتيجة نوفمبر أسود زينّاه بأيدينا وقلدناه أساور من ذهب لتصل إصاباته حتى صبيحة يومه الأخير 86425 إصابة وهي التي كانت 14875 في حزيران ويفتك ب 546 أردني بينما كانت الأعداد أقل من 303 في شهور حزيران وتموز وأيلول وكذلك ازدادت نسبة إشغال أسرة الإنعاش لتصل في 23 نوفمبر ل 38% وهي التي لم يتجاوز متوسطها 19.7% ما بين حزيران وأيلول .
عذراً أردننا الحبيب فنحن نكره رؤيتك حزيناً وأنت تحصي الإصابات والوفيات كل مساء ولا تملك سوى رحمة الخالق لتعينك فلقد عودناك منذ عشرين شهراً على الاستخفاف بعقول مواطنيك وعلى التصريحات المتناقضة التي أوصلتك اليوم لهذه المرحلة ابتداءً من الفيروس سينشف ويموت وصولاً إلى لا فائدة من الكمامة فكيف للأردني اليوم أن يطيع نصائح من يشبع أذنيه كل صباح بأن الكمامة هي عماد الوقاية من مخاطر الفيروس ؟
أتدرون يا سادة ماذا فعلتم بالأردن وألوف الأردنيين قد حصلوا على عقود عمل في دول الخليج والسعودية وقد بدأت قطر يوم أمس بتصنيفنا في القائمة الحمراء حتى لو كان في ذلك ظلم ومخالفة لقواعد التصنيف العلمي العالمي فكل المؤشرات اليوم تضعنا في القائمة البرتقالية وليس الحمراء .
لا لن نلوم الفيروس بمفرده فلم يكن باستطاعته التجول في أحشائنا لو لم نساعده في مسيرته ، ألم يطمئننا الطاقم الوزاري بأن الوضع مطمئن وغير مقلق ووزير صحتنا الكريم قال في 8 نوفمبر بأن الإصابات لن تتجاوز ال 3000 يومياً فها هي قد قفزت بعد ثلاثة أسابيع إلى الضعف فهل لمعاليكم أن تعلمونا ماذا فعلتم بين 8 و 29 نوفمبر لوقف النزيف المتصاعد وها هي دعايات حفلات رأس السنة قد بدأت بكثافة وكأننا لم نتعظ من ماَسي حفلات 8 و 15 أكتوبر و 4 نوفمبر وما خلفته لنا من انتكاس للوضع الوبائي حسب أرقام وزارتكم نفسها ؟ أي رقابة صارمة تفرضوها على المحجورين في بيوتهم وهم يتجولوا براحة في محيط العائلة والمجتمع ؟ أي رقابة تفرضوها وأي مخالفات على من لا يحترم قواعد وأوامر التباعد ولبس الكمامات في الأماكن العامة في بلد تزداد به جموع من لا يحترموا القانون ويعرضوا الاَخرين من الأبرياء للخطر ويرفضوا التطعيم حيث أننا حسب موقع تتبع التطعيم العالمي نحتل هذا الصباح المرتبة 123 عالمياً في نسبة المطعمين ( 40.41% من السكان ) ،وأي خطة أعددتموها وطبقتموها وتؤمنوها وطاقم المؤسسة الصحية يخلو من خبراء الأوبئة والمخططين فلجنة الأوبئة ترقد في حالة موت سريري منذ شهور حتى لو حجموها وجعلوها مجرد ديكوربثلثي أعضاءلم يسمع بعضهم بعلم الأوبئة منذ تخرجهم قبل ثلاثين سنة .
وهل لنا مع تدهور الوضع أن نلوم لجنة الأزمات إن أوصت في الغد بالعودة لإجراءات وربما إغلاقات ظننا أنها قد أصبحت من ذكريات الماضي الحزين ؟ أتدرون ما تعنيه العودة لإغلاقات ستفرض علينا بفضل تقاعسكم في حماية المواطنين والوضع الاقتصادي لمئات الألوف من الأردنيين لا يسمح لهم بكسب قوتهم إن توقفوا عن العمل ؟ كم من منشاءة ستغلق ونرمي بالعاملين بها في أحضان البطالة والجوع ؟ كم من مؤسسة سياحية ستعود للزوال وكم من سائح سيحطّ في ديارنا إن تم اعتبارنا عالمياً دولة حمراء ؟ عشرات الألوف من الطلبة سيعودوا يا سادة لمسرحية التعليم عن بعد ونخرّج جيلاً يتهجأ العلم ، ستتبخر أفواج المرضى الوافدين الذين بدأوا بالعودة لعمان ، سنعاود تكديس مرضى الكورونا في المستشفيات الخاصة لتعاود بعضها والحمدلله ليست جميعها وفي غياب من يردعهم لمص محفظة المصابين.
عندما يكون الوطن هو الرهينة فكل الاعتبارات يجب أن تزول ، كفانا ندفن رؤوسنا في الرمال فمؤسستنا الصحية قد أخفقت في عملها وضحايا الفيروس في تزايد والخطر المحدق قادم لا محالة فبأي سلاح نواجه الواقع وخبراء الأوبئة يتطايرون الواحد تلو الاَخر واَخرهم أمين عام الوزارة المهذب المتواضع أمّا عضو لجنة الأوبئة الكفوء الخلوق والذي يتجول من محطة تلفزيونية لأخرى فوجوده ضروري حتى تأتي الساعة ليصبح المسؤول الوحيد عن تردي الوضع ونضحي به لتبرئة الاَخرين .
الوقت ليس للمجاملات فالأردن في خطر متزايد وليس هناك في قاطرة القيادة من يملك الخبرة والقدرة على مواجهة الصعاب ولدينا في الأردن عقول وخبرات تم التخلص منها وهؤلاء المغضوب عليهم بل المنبوذين هم من يملكوا القدرة على الإنقاذ وقد أظهرت الأيام عجز الطاقم الحالي على إيجاد الحلول فلماذا لا نقوم دون لحظة انتظار قاتل بتشكيل لجنة علمية وطنية من أهل الاختصاص لتقود وزارة الصحة ونمنحهم الفرصة لتحسين الوضع الوبائي وتقليل مخاطر الغد بل ولماذا لا نمنح للمركز الوطني للأوبئة والأمراض السارية مسؤولية استلام دفة القيادة مرحلياً لمجابهة العدو اللعين وإنقاذنا مما يخبؤه لنا الغد فرئيسته أظهرت خلال فترة وجيزة أنها تتحدث وتتصرف بعلمية ومهنية وواقعية ولمن لا يعرف فالمركز مؤسسة منفردة تتبع رئاسة الوزراء ولا علاقة لها بوزارة الصحة التي أوصلنا غيابها لهذا الوضع المأساوي بعد أن غدت فشكات خرطوشها لا ترعب الفيروس وصوته الخافت لا يوقظ ولا يقنع الأردنيين .