الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – أسمع عنه كثيرًا، وجميع رجال الدين يحذِّرونني منه. فهو رجل يكره رجال الدين كرهًا شديدًا، فهم يضايقونه في أمور كثيرة ويحذّرونه من الوقوع في يد القضاء بسبب أفعال مشينة كثيرة يرتكبها. تقدَّم منّي يومًا وهو يحمل رزمة وقال لي بكلِّ أدب: “خذْ هذه الرزمة، يا محترم، ووزِّع ما بداخلها على الفقراء”، وتوارى. فتحتُ الرزمة فوجدتها مليئة بالدولارات. صُعقتُ وتعجَّبتُ من تصرُّفه النبيل ومن كلامه المعسول. وددتُ شكره على الأقلّ لكنَّني لم أستطع اللحاق به، إذ اختفى كما ظهر.
وضعتُ رزمة المال تحت مقعدي وصرتُ أشكر الله على هذه العطيَّة المفاجئة، وأنا أكاد أطير من الفرح ورحتُ أفكِّر في لائحة الأشخاص الذين أودُّ مساعدتهم من خلالها، بل أتى إلى بالي بعض الجمعيَّات الخيريَّة التي يمكنني أن أمدَّها أيضًا بقسم من هذا المبلغ. وفجأة، جرى حادث سيَّارة أمامي، فركنتُ سيَّارتي ونزلتُ لأرى إن أصيب أحد بمكروه. وبدأ الناس يهرولون إلى مكان الحادث من كلِّ صوب. وإذ وجدتُ أنَّ الحادث لم يتعدَّ الحديد، عدتُ إلى سيَّارتي وتابعتُ طريقي. وصلتُ إلى البيت، ركنتُ سيَّارتي وصعدتُ إلى المكتب لأدوِّن أسماء الأشخاص والجمعيَّات التي أنوي مساعدتهم. وتذكَّرتُ أنَّني نسيتُ رزمة المال في السيَّارة، عدتُ لإحضارها، لكنَّني لم أجد شيئًا. أخذ قلبي يطرق بشدَّة،ورحتُ أبحث كالمجنون في أرجاء السيَّارة علَّني وضعتها في مكان آخر أو علَّها تحرَّكت من مكانها فلم أجد شيئًا. عندئذٍ تذكَّرتُ الحادث وتذكَّرتُ أنَّني تركتُ السيَّارة مفتوحة عندما نزلتُ منها لأتفقَّد الأشخاص الذين تعرَّضوا للحادث. فلا بدَّ أنَّ يدًا آثمة مُدَّت وأخذت المال. لم أستطع أن أنام تلك الليلة من غضبي وأنا أردِّد في داخلي: عليَّ أن أعتبر أنَّ ذلك المبلغ لم أحصل عليه أصلاً. فالقصَّة كلُّها لم تُعجبني. لماذا يعطيني رجل يكره رجال الدين مبلغًا بهذا القدر؟ ولماذا تصرَّف معي بهذه اللطافة؟ وأخيرًا، لماذا لم ينتظر على الأقلّ شكري له؟
بعد يومين، طُلبت إلى مركز الشرطة. وبعد الأخذ والردّ، علمتُ أنَّهم أمسكوا السارق يشتري أغراضًا بمال مزوَّر، ووجدوا بصمات أصابعي على رزمة المال المزوَّر. وإذ أطلعتهم على قصَّتي، استطاعوا أن يمسكوا ذلك الرجل “النبيل”، وتذكَّرتُ أنَّه كان يلبس قفَّازًا في يديه. وبعد استجوابه، تبيَّن أنَّه يعمل مع إحدى العصابات لتوزيع المال المزوَّر على رجال الدين وهكذا يُدخلون ذلك المال المزوَّر بطريقة ملتوية للتداول به بين الناس. فتمَّ القبص على رجال العصابة بأكملهم في غضون أيَّام قليلة بعدما بدأوا بتمرير أموالهم المزوَّرة بين الناس.
أمَّا أنا فشكرتُ ربّي ألف مرَّة لأنَّني لم أستعمل هذا المال المزوَّر مع أشخاص يكفي ما يعانونه من ضائقة ماليَّة، فقد يتعرَّضون بسببه للذلّ والاحتقار ويُجَرُّون إلى مراكز الشرطة للاستجواب… فالربُّ دائمًا يستعمل طرقًا مختلفة لإخراجنا من مآزق قد نقع فيها، وإن وقعنا فيها فلتعليمنا أو لاختبارنا…
سمعتُ كثيرًا هذه المقولة ولكنَّني لم أكن أُدرك معناها قبل أن أختبرها بنفسي: “لا تحزن على شيء فقدته، فربَّما لو ملكته، لكانت الخسارة أكبر، آمن وثق في اختيارات الله لك.”