-
د. سليمان صويص –
الأول نيوز – يوم السبت 11/12/2021، كان من المفترض أن يُنظّم منتدى الفحيص الثقافي لقاءاً مع مجموعة من الكتّاب والإعلاميين لبسط الحقائق المتعلقة بقضية أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت أمامهم، ومناقشة تطوراتها معهم كي ينعكس ذلك لاحقاً على الرأي العام الأردني. تأتي هذه الفعالية في إطار النشاطات التي درج المنتدى على القيام بها فيما يتعلق بالقضايا التي تهمّ مدينة الفحيص. لكن ذلك اللقاء الذي حضّر له المنتدى ملفاً كاملاً ، وبذل جهوداً من أجل عقده على مدى الأسبوعين الماضيين لن يرى النور، وأضطر المنتدى أن يرسل يوم الخميس على عجل اعتذاراً للمدعوين، ويأسف لأن وزارة الداخلية (نعم الوزارة، وليس المتصرّف أو حتى المحافظ !) قررت منع إقامة الفعالية المشار أليها اعلاه !
ما هو سبب المنع التعسفي؟ عِلمُه عند وزير الداخلية؛ لكنه لا يمكن أن يكون بسبب «إهمال» المنتدى لإجراءات السلامة العامة وأوامر الدفاع التي طبّقها ـ مثله مثل مؤسسات أخرى في الفحيص ـ في الأسابيع والأشهر الماضية. يُضاف إلى ذلك بأن عدد المدعوين و «المعزّبين» في اللقاء الذي كان مقرراً لا يتجاوز العشرين شخصاً ! أما إذا كان الباعث «حجة أمنية»، فهذه أيضاً غير معقولة؛ إذ يتساءل المرء أي خطر أمني ذاك الذي يُمكن أن يُشكّله اجتماع عشرين إعلاميّ ـ بل حتى أربعين ـ لمناقشة موضوع ما خلال الفترة الصباحية ؟!
إذن، في الحقيقة والواقع هو قرارٌ لمنع وصول حقائق قضية أراضي الفحيص إلى الرأي العام الأردني، عبر نخبة من الكتّاب والإعلاميين. والسؤال الذي يطرح نفسه في الحال : لمصلحة منْ إتخاذ هكذا قرار ؟ هنا يجب أن لا يغيب عن الذهن بأن قرار وزارة الداخلية غير المسبّب هو انتهاك صارخ لحرية التعبير والاجتماع والحق في حرية تداول المعلومات التي ينص عليها الدستور الأردني والقوانين الأردنية، وهي حقوقٌ يبدو أنها أصبحت في «خبر كان» بالنسبة للسلطة التنفيذية. إضافة لذلك يُعتبر قرار وزير الداخلية متسرّعاً وتعوزه الفطنة. لماذا ؟ ألا يعلم معاليه بأن منعه لعقد اللقاء في مقر منتدى الفحيص الثقافي في الفحيص لا يحول مطلقاً دون عقد اللقاء عبر وسائل التقنية الالكترونية (زووم) مثلاً ؛ أو، أن بإمكان المنتدى ـ إذا أراد ـ أن يُرسل الملف الذي أعدّه إلى الإعلاميين بواسطة البريد الالكتروني، أو حتى ان يُسلّمه باليد لكل إعلامي وكاتب كان مدعواً للقاء المذكور ؟ !
مع ذلك، فإن «المأثرة» الأكثر أهمية لتصرف وزير الداخلية ـ والتي يستحق عليها الشكر ـ هي أنه أكّد، من حيث لا يدري، بأن الطابع الرئيس لقضية أراضي الفحيص المقام عليها مصنع الإسمنت ـ سياسي وطني بالدرجة الأولى. طوال سنوات، كان بعض الناس يؤكد ـ بحسن نيّة ـ بأن طابع القضية قانوني بحت، أو اقتصادي بحت، أو بيئي صرف. كنا نرد على ذلك بالقول : نعم، قضية الأراضي متشعّبة لها جوانب قانونية واقتصادية وبيئية بالتأكيد؛ لكنها في جوهرها سياسية. والشواهد على ذلك كثيرة، ولا تقتصر على القرار الأخير لوزير الداخلية. فالضغوط التي كانت تمارس على الإدارة المحلية وعلى نشطاء العمل العام في الفحيص خلال 2016 و 2017 و2018 دليل على ذلك. والإمتناع عن التحقيق في الشكوى التي قدمها أهالي الفحيص إلى هيئة مكافحة الفساد عام 2017 حول شبهات الفساد التي احاطت بعملية خصخصة شركة مصانع الإسمنت الأردنية هو قرار سياسي … والقائمة تطول !
وما دمنا نتحدث عن القضية التي تشغل بال أهالي الفحيص والوطن (وخير دليل على ذلك البيان الذي وقّعت عليه 124 شخصية أردنية قبل أسابيع لدعم مطالب الفحيص العادلة) ، فإن علينا أن نتوقف عند الحادثة التي وقعت قبل أيام خلال اجتماع لجنة العمل النيابية حيث تعرّض رئيس مجلس إدارة شركة الإسمنت (لافارج) إلى موقف محرج أقل ما يقال فيه أنه لا يليق برئيس مجلس إدارة شركة كبيرة، ووزير سابق لعدة مرات (تم تداول فيديو عن الحادثة على وسائل التواصل الإجتماعي على نطاق واسع). جاءت تلك الحادثة على خلفية الإضراب المستمر لعمال مصنع الرشادية منذ قرابة الثلاثة شهور؛ إذ لم يُنتج كيس إسمنت واحد هناك منذ 82 يوماً بالضبط. ..هذا في الوقت الذي يزداد فيه تعنّت إدارة شركة لافارج تجاه مطالب العمال؛ الأمر الذي أثار ليس فقط غضب نقابة عمال البناء، بل واستياء قطاعات أخرى نيابية وعمالية وشعبية.
خلاصة الأمر : ندعو منظمات حقوق الإنسان والمركز الوطني لحقوق الإنسان إلى مطالبة وزارة الداخلية بالتراجع عن قرارها التعسفي تجاه منتدى الفحيص الثقافي، وبوضع حد لإنتهاكات حرية التعبير والاجتماع. والأمر الآخر: آن الاوان لكي يدرك أهالي الفحيص ومواطنو الأردن بأن الوصول إلى حلول عادلة لقضية أراضي الفحيص يتطلب حشد كل الجهود الممكنة على صعيدي المدينة والوطن. فنحن أمام نموذجٍ لرأس المال المتوحش الذي لا يمكن أن يُسلّم بحقوق الشعوب والأوطان بدون مواجهة جشعه وطغيانه.