* الدكتورة مارغو حداد –
الأول نيوز – ثقافة الصورة هي محصلة للثورة التكنولوجية لذا فقد أصبح الواقع صورة شاحبة. وهنا أتذكر قول الدكتور شاكر عبد الحميد : “إن الصورة هي الأساس وليس الواقع، ولقد أصبحت الصورة تسبق الواقع وتمهد له، حيث أن الصور تحدث أولا ثم تحدث المحاكاة لها في الواقع. هذا ولم تعد الصورة محاكاة للواقع، بل أصبح الواقع أشبه بالمحاكاة للصور” ولا أجد أبلغ من هذه العبارة لشرح الواقع والصورة .
الإعلام التقليدي أو الحديث، – خاصة الذي يقدم بيئة حية مثل القنوات الفضائية والإنترنت والسينما – كان له جانب إيجابي في الكثير من الأمور للمرأة خاصة، لكن كان له أثر أكبر في تعزيز الأنماط الجندرية التقليدية للرجال والنساء والعلاقة بينهما، حيث تشجعنا بعض وسائل الإعلام على تلقي صورة المرأة كشخص غير مستقل، وكغرض تزييني وسلبي وخاضع ، وأن الرجال مستقلون، أقوياء نشيطون، وهم دائما في أعلى مرتبة. وعليه؛ يقع على وسائل الإعلام دور رئيسي في تغيير الصورة النمطية السلبية عن المرأة، فوسائل الإعلام لم تعد فقط المرآة التي تعكس صورة المجتمع وأحداثه. فلقد توسع وامتد تأثيرها ليشمل ترتيب أولويات ومصالح الجماهير المتلقية، وهي بالفعل تؤثر في كيفية تشكيل الجماهير للمعرفة والاتجاهات والمواقف والممارسات، وتخلق نوعا من التنميط له تأثير سلبي أو إيجابي .
ويتعامل النظام الأبوي ‐ كما تذكر دراسة لسارة جامبل – مع مستوى القوالب النمطية لتصنيف أدوار المرأة وخصائصها التي تختلف اختلافا جوهريا عن أدوار الرجل وخصائصه، وفي إطار هذه الموازاة الثنائية يصنف المؤنث على أنه الأدنى، ويُعلي من شأن المذكر. أما طبيعة الميل الجنسي عند المرأة فتُصوَّر على أنها طبيعة مرعبة ونهمة ومترممة. ومن هنا، فإن القولبة أو الصياغة النمطية تعتبر جزءا من عملية أيديولوجية تسمح باستحضار المرأة واستدعائها إلى ساحة الأيديولوجية الأبوية”.
أما عن سبب هذا التنميط فهو الحكم المسبق على النوعين “الرجل والمرأة ” في توزيع الأدوار الاجتماعية كما تشير دراسة (صندوق الأمم المتحدة ، 2000 )، فإنه يعود إلى تصنيف النشاط البشري إلى صنفين “عمل خاص بالمرأة” وعمل “خاص بالرجل” واستعمال كل المجتمعات هذا النوع من التقسيم الاجتماعي، حيث يمثل المبدأ الرئيسي لتنظيمها، لكنه يختلف من مجتمع إلى آخر ومن مكان إلى آخر ومن زمن إلى آخر، وتتغير القوالب في المجتمع، حسب السن (من جيل إلى آخر) أو الطبقة/ الفئة الاجتماعية أو الوضع الاجتماعي (عزب أو متزوج). ويكون توزيع وتقسيم النوع الاجتماعي للعمل بين النساء والرجال على أساس التصورات ونظم القيم السائدة عن كل واحد منهم والناتجة عن عملية التطبيع الاجتماعي سواء في الأسرة والمؤسسات المجتمعية الأخرى (المدرسة، ووسائل الإعلام)، وقد تكون هذه الأدوار مقبولة، إلا أن أحدها قد يتغلب على الآخر حسب الظروف، ما يؤدي إلى فقدان التوازن بينها، وهو ما ينتج عنه غالبا انعكاسات على معاش الفرد، خاصة في حالة الصراع والاصطدام بين الأدوار والمصالح الخاصة بكل واحد منها، وعندما تسود علاقة عدم الاتزان في العلاقة على حساب المرأة في توزيع القوة، تكون النتيجة احتلال الرجل مكانة فوقية، بينما المرأة تأخذ مكانة ووضعا ثانويا في المجتمع. وعليه، فإن هذا التقسيم يعمل على عدم المساواة والعدالة بين النوعين، وبالتالي إبعاد المرأة عن عملية التنمية، ما يؤثر سلبا في المرأة وينجم عنه فشل المشروعات التنموية وعدم فعاليتها.
وبهذا تؤثر وسائل الاتصال الجماهيري في حياتنا اليومية بطرق مختلفة عادة من دون أن نكون واعين لما يدور حولنا، فنحن في خضم زخم مؤثرات سمعية وبصرية من قبل وسائل الإعلام على مدار الساعة، نسمع الموسيقى، ونتابع الأخبار والإعلانات في مكاتب العمل وفي المصاعد وحتى خلال القيادة وفي المدارس وأماكن العمل المختلفة، إضافة إلى الإعلانات على لوحات الحائط والباصات وفي قطارات الأنفاق التي تعرض أفضل وأحدث وأنفع البضائع والخدمات المتوفرة. أما العروض السينمية والمتلفزة، فإنها تسمح بوجود البرامج من كل ذوق ولون بفضل وجود المحطات وأجهزة تسجيل الفيديو، إلى درجة أننا نستطيع اختيار نوع الترفيه الذي نريده من دون أن يغادر أحدٌ المنزل. وعليه، فإن عملية الاختلاط المجتمعي بأدوار الجندر تحدث على عدة جبهات. إذ انه برغم أن الآباء يقدمون الصور المبكٍّرة لأبنائهم، إلا أن التلفاز سريعا ما أصبح أيضا مصدر اختلاط مجتمعي حتى قبل دخول المدرسة. وبما أن الطلب يزداد على وسائل الاتصال، خاصة وسائل الإعلام، فلا بد من فلترة الكميات الضخمة من المعلومات التي نتلقاها على وسائل الاتصال الأخرى وتأثيرها العميق غي أفكارنا فيما يخص موضوع الجندر.
وهذا يدل على أن وسائل الإعلام ما زالت تخدم الرجال من منطلق طبيعة أنثوية وذكورية لإضفاء الشرعية على استمرار سيادة الرجال على النساء، ولتكون ذريعة لتوزيع العمل تبعا للنوع. وقد يكون هذا صحيحا، غير أنهن لم يولدن هكذا، بل أرغمت النساء على ذلك. وعليه فقد صورن في هذه الوسائل على أنهن مُقادات ومُدارات غير مستقلات وقليلات إبداع، وأنهن ملائمات بصورة خاصة للأشغال الروتينية الرتيبة في حقل إعادة الإنتاج كما في حقل الإنتاج, إن مثل هذه الصور النمطية المجحفة بحق المرأة التي يجري عرضها وتقديمها في المؤسسة الإعلامية بطريقة منتظمة “Systematic”، تهدف إلى ترسيخ وتعزيز الفروق بين النوعين وإضفاء الشرعية عليها وعقلنتها، وتصويرها على أنها فروق أبدية فطرية طبيعية يجب التسليم بها .وهناك نوع من التنميط “Stereotyping” أيضًا للسمات الجسدية لكل من المرأة والرجل، حيث اتفق المنتجون على اختلاف ثقافاتهم على وضع المرأة في قالب يجذب المتلقي ليبيعه السلعة أو الفكرة أو يمنحه جوا نفسانيا وواقعا يريحه من واقعه المليء بالتعقيدات .
ليس المطلوب إعطاء صورة مثالية، بل صورة متوازنة تعكس نماذج للمرأة في سموّها وانحدارها، وفي نجاحها وإخفاقها، فمن الخطأ أن يتحدث الإعلام عن المرأة في برامج منفصلة، بل من خلال المواد الإعلامية بطريقة غير مباشرة، وتحسين الصورة لن يكون فقط بتولّي المرأة المناصب القيادية في الإدارات الإعلامية، أو بزيادة عددهن كما يطالب الكثير من الأصوات. فهذا وإن كان ضروريًا لكنه ليس كافيًا، لأن السبب يعود إلى وجود خصوصية تأريخية ومجتمعية لواقع المرأة ومشاكلها في المجتمع موازنة بوضعية الرجل والأدوار التي يقوم بها. فهناك نساء لم يحصلن على حقوقهن في التعليم والعمل والممارسة السياسية، يتعرضنّ لمظاهر شتى من الاعتداءات والتمييز المادي والمعنوي، وبالتالي فإن استمرار مشاكل المرأة في المجتمع يفرض على وسائل الإعلام الاهتمام بمشاكلها ومناقشتها والبحث عن حلول لها.
أن نفكر في كثير من أمور حياتنا السياسية والاقتصادية والتربوية والترفيهية من دون أن نفكر في الصور.
إن يومنا مزدحم بالأخبار السياسية التي تتدفق عبر أجهزة التلفزة، في نشرات الأخبار والبرامج الحوارية كما في الصحف اليومية، وهناك كذلك أخبار المال والاقتصاد، والأفلام والمسلسلات والأغاني والألعاب الرياضية والتفكير في نجوم هذه المجلات ومحاولات الشباب محاكاتهم والاندماج معهم . لقد أصبح عالم النفس البشرية عالما تشغله صناعة الصورة إلى حد كبير.
الصورة التي يرسمها إعلامنا، ويكرسها في أذهان أفراد المجتمع لتبقى المرأة هي السلعة أو المروجة لها من جهة وهي التابع للرجل، وربة المنزل من جهة أخرى. وقد يكون تكريس هذه الصورة من قبل بعض وسائل الإعلام مقصودا، وهنا يكمن الخطر لأنه يؤكد الفروق بين المرأة والرجل ويعززها. وقد لا يكون مقصودا، وهذا أخطر، لأنه يدل على الجهل في معرفة قضايا المرأة وكيفية تناولها.
* استاذة في الجامعة الأميركية