شجرة العيد

الخوري أنطوان الدويهيّ –

الأول نيوز – هذه السنة احتفلت مناطق كثيرة بإضاءة شجرة الميلاد المجيد. يقوم بهذا الاحتفال المسيحيُّون والمسلمون على حدٍّ سواء. فيسوع المسيح، رجل السلام، له المجد، هو للمسيحيِّين ربُّهم وسيِّدهم، وللمسلمين نبيُّ الله وروحه، يجمعهم ويضع البسمة على الشفاه، والدمعة في الأعين، والأمل بمستقبل أجمل.
كلمات كثيرة أُلقيت احتفاءً بهذه المناسبة السعيدة وجميع الكلمات تركِّز على الفرح الذي يحمله هذا العيد لاسيَّما للأطفال الصغار الذين تبدو الفرحة على وجوههم وهم يعتمرون القبعات الحمراء ويأكلون الأطايب المتنوِّعة وينالون الهدايا المبهجة من ألعاب مسلِّية وثياب جديدة.
دُعيتُ هذه السنة إلى أماكن شتَّى لإضاءة شجرة العيد. أدهشني كم يسخو المنظِّمون ليكون مهرجان إضاءة الشجرة باهرًا ومبهجًا! ولكلِّ مكان رونقه وجماله! ولكنَّ الجوَّ المرح والسرور هو القاسم المشترك فيما بينها. وجوه مليئة بالفرح والسعادة، بالأمل والتمنِّيات. جماهير غفيرة تؤمُّ الأماكن العامَّة، والساحات المزدانة بالبهجة والصخب والضوضاء، منتظرة لحظة الإنارة تُفتتح بحفلات الأغاني والترانيم، وبحفلات الكلمات المنمَّقة، متمنِّية أعيادًا سعيدة وأعوامًا تحمل الخير والبركة، تحمل السلام والتآخي…
ترتيبات كثيرة ورجال الأمن والشرطة في كلِّ مكان، منعًا للتجاوزات والمشاكل. رجال ونساء، أطفال وعجزة، يبحثون عن مكان ملائم ليشاهدوا حفل الإضاءة، وهم في هرج ومرج، في فرح ومرح. إعلاميُّون يتوزَّعون بين العامَّة والخاصَّة، بين رجال الدين والسياسة والفنّ يستمزجون الآراء، ويأخذون تمنّيات الناس وأحلامهم…
ما يميِّز هذا العيد هو أنَّه، لا يحمل فقط الضحكة للأطفال والكبار، بل هو أبعد من هذا بكثير. هو يوحِّد القلوب ويجمع بين أبناء الوطن الواحد، والمدينة الواحدة، والقرية الواحدة، كالشجرة التي تُضاء في هذا الزمن بالذات. هي تتكوَّن من فروع كثيرة ولكنَّ جذعها يبقى واحدًا. ومهما اختلفت الإثنيَّات والمذاهب والأديان فجذورها تبقى واحدة. وهذا ما تمثِّله شجرة الميلاد.
فالشجرة تمثِّل إذن، جميع الشعوب المنتشرة على هذه الأرض. والأغصان فيها بعضها يحمل الزينة وبعضها الآخر يحمل الأنوار؛ بعضها يحمل الطابات وبعضها مزدان بالنجوم، وبعضها الآخر بالزينات المختلفة؛ ولكنَّ جمال الشجرة الحقيقيّ يظهر عندما تضاء كلُّها وتزيَّن بأكملها، فلا تبقى فيها بقعة دون زينة لئلاَّ تبدو الشجرة ناقصة أو فيها عيب.
وإن لم تكن زينة على بعض الأغصان فهي تمثِّل الحزانى على شخص عزيز، أو الفقراء والمعوزين والمهمَّشين الذين يأتون ليبتهجوا مع الآخرين ولو للحظات. وإن كان قلبُ الشجرة غير مزيَّن لأنَّه لا يظهر للعيان، وهو يمثِّل أولئك الذين فارقونا إلى السماء، من شهداء وأحبَّاء، سبقونا إلى الراحة والخلود، إلى الدفء والسكينة. فهؤلاء باقون معنا، لا نراهم بالعين المجرَّدة لكنَّهم يسكنون في قلوبنا وفي أفكارنا وفي أقوالنا، وأحيانًا كثيرة في صلواتنا.
وعند انتهاء الحفل، يعود المحتفلون إلى بيوتهم، وفي جعبتهم زخم جديد، وفرح بولادة أمل جديد بحياة مليئة بالفرح والحبور، بالرغد والرخاء، بالبهجة والسرور.
فيا طفل الشجرة، يسوع، يا مَن توحِّدنا جميعًا، بذكرى مولدك العجيب، استمدَّ لنا من الله، نعمة السلام والوحدة والأمان، نعمة السلم والمصالحة والحبّ، فأنتَ وحدك الشفيع المجيب!

عن Alaa

شاهد أيضاً

حق الدولة في الحياد

الاول نيوز – د. خالد الحريرات البطوش في روما القديمة ساد منطق ان من ليس …