كلَّ عام وأنتم… سعداء

 

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – التقيتُ برجل أربعينيّ، أنيق الملبس، متأبِّطًا يد امرأة عجوز، وهما يخرجان من أحد المطاعم الفاخرة. عندما رآني هتف على الفور: “سامي؟ ألستَ سامي؟ أنا فريد، رفيق الدراسة”. تعانقنا طويلاً وإذ بدا مستعجلاً، تواعدنا أن أمضي إليه إلى مكتبه في مأوى للعجزة وأعطاني العنوان.

في الموعد المحدَّد، قادتني السكرتيرة إلى مكتب المدير فإذا به يستقبلني بالترحاب ويدعوني للقعود. بعدما أخبرته ما فعلتُ في حياتي بعد تخرُّجي، سألته عن أخباره فقال:

  • “تعلم جيِّدًا يوم فقدتُ أمّي، كنتُ في العاشرة من عمري. كنتُ أحسد بقيَّة رفاقي الذين ما زالت أمُّهم على قيد الحياة وتهتمُّ بهم. بعد المدرسة، تخصَّصت في إدارة الأعمال، وشاءت الظروف أن أُعيَّن مسؤولاً عن قسم في هذا المأوى. وبعد حوالي العشر سنوات، مات المدير فجأة إثر نوبة قلبيَّة، فاحتار مجلس إدارة المأوى في اختيار خلف له. فاقترح رئيس الجمعيَّة المؤسِّسة تعييني مديرًا مدَّة سنة واحدة، قيد الاختبار، بعدما رأوا فيَّ جدِّيَّة في العمل وتعاطفًا كبيرًا مع العجزة. وهذه هي سنتي التاسعة وأنا مدير للمأوى بعدما تمَّ التمديد لي لأمانتي ومحبَّتي للعجزة.
  • عندما التقينا كنتَ مع امرأة عجوز، أتُراها جدَّتك أم إحدى عجزة المأوى؟
  • منذ دخلتُ إلى المأوى، رأيتُ الكثير من رجال الأعمال وسيِّدات المجتمع، يلقون بأمَّهاتهم وآبائهم في المأوى ولا يزورونهم أبدًا؛ مع تقديري الكبير لأولئك الذين يزورون أهلهم بانتظام. عندئذٍ أخذتُ على عاتقي أن أقوم كلَّ أسبوع باصطحاب إحدى عجائز المأوى إلى المطعم معتبرًا إيَّاها بمثابة أمٍّ لي. أمّا الرجال العجائز فاتَّكلتُ على زوجتي أن تقوم بالعمل ذاته معهم على أن تعاملهم معاملة الابنة لأبيها.
  • هذا عمل هو في منتهى النبالة.
  • لم أكتفِ بهذا، بل حمَّستُ جميع الموظَّفين أن يقوموا بمثل هذه المبادرات، بعد التنسيق معي، فكنتُ أرى الموظَّف سعيدًا بهذا العمل الإنسانيّ أكثر من سعادة العجوز، وتعاقدتُ مع مطاعم متعدِّدة وصرتُ أدفع لهم الفاتورة نهاية كلِّ شهر من مدخول المأوى، فكنتُ بذلك أشكر الموظَّف على خدماته وعلى تكريسه الوقت الكافي لإضفاء جوٍّ من السعادة في قلب العجائز.كما صرتُ أحثُّ بعض الأفراد أو أعضاء الجمعيَّات الخيريَّة التي تزور المأوى،على اصطحاب عجوز أو أكثر لتمضية النهار معهم وإعادتهم في نهاية النهار. فما عاد العجوز يشعر بأنَّه متروك أو مرذول من قبل أولاده وذويه، يعدُّ الساعات المتبقِّية له، منتظرًا الفرج بفارغ الصبر، بل أصبح لحياته معنى جديد”.

تركتُ المأوى بعدما أخذتُ على عاتقي، متَّفقًا أنا أيضًا مع رفيق الدراسة، أن أدعو أحد العجزة مرَّتين في السنة إلى الغداء برفقة أسرتي. فلا يكفي أن تقوم بعمل الخير وحدك، بل يجب أن تقود الآخرين إلى الاقتداء بك أيضًا. فالسعادة في قلبك تزداد بقدر ما تعطيها وتجدها على وجوه الآخرين. فما أسعد الإنسان الذي يستطيع أن ينتزع الحزن من قلب إنسان آخر واضعًا مكانه الفرح والسعادة.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

حق الدولة في الحياد

الاول نيوز – د. خالد الحريرات البطوش في روما القديمة ساد منطق ان من ليس …