أزمة العبقري في زمن غير عبقري

ماهر سلامة –

 

الأول نيوز – الضجيج الدماغي لا يسمعه صاحبه فقط، بل يسمعه مَن حوله، وهنا أتذكّر قولًا شهيرًا: “إنّ أكبر معارك الحياة تدور في العقل”، كما أتذكر قولا دارجا يصف صاحب العقل المشغول بأنّ “عقله مش مريّحه”. كلها صفات تذكّرني بزياد الرحباني الذي أبدع بإنتاج موسيقاه وأغنياته المبتكرة التي غيّرت طريقة الفنانة فيروز في مغناها المميز، كما أطلق برنامجا إذاعيا سمّاه “العقل زينة”.

وأنت ذاهب للقائه (ولا أقصد زياد الرحباني، الذي يعيش بعبقريته في زمان غير عبقري) ترسم كل السيناريوهات المحتملة لهذا اللقاء، الذي تبدو فيه أفكاره ككلمات متقاطعة، وتود لو يهدأ سعير دفق شروحاته وتعليقاته لتسجلها على ورقة، ومن ثم تتم معالجتها بهدوء في وقت آخر، ليتسنى لنا الكشف عن الكنوز الكامنة.

هكذا تبدو الأشياء في حضرة الدكتور ذوقان عبيدات؛ الخبير المعتَّق لتطوير المناهج.

ولأنه غير منظم إداريا، يضيق به ذرعا أصحاب المكاتب النظيفة التي تبدو منظمة لكنها عبثية الإنجاز، فهو أيضا يضيق ذرعا بكل ما هو سطحي وشكلي، لا لشيء إلا لأنه يسابق الوقت للإنجاز النوعي الفكري في كل ما يتعلق بشؤون المناهج والتربية والشباب والحياة، معتقدا أنّ الوقت يَدْهمُنا من كل حدب وصوب لعرقلة تقدم مجتمع قادر على الوصول إلى صفوف ومراتب أعلى وأرقى في مجال التعلم والتعليم.

لا أحد يستطيع أن يقول إنّ الدكتور ذوقان قادر على الانتماء إلى عالم البيرُقْراطية الوظيفية، فهو مع مجموعة من المساعدين خلية نحل لا يكلِّون ولا يَهدأون، وهذا نمط لا يناسب الإدارة التقليدية، هذا نمط ينجح في اليابان مثلا، حيث يُترَك المبدعون المفكرون في خلية عمل، ويقدمون النتائج، فيكون الإبهار.

الدكتور ذوقان عبيدات عملة نادرة، وكادر مثله قد تغيّر أفكارُه جيلا كاملا نحو الإبداع. كم هي الأشياء حاضرة في عقله أينما ذهب وانوجد. إنه مكتبة مناهج متنقلة وفكر تربوي دافق، فالطريقة الفريدة التي يربط بها كل فكرة من أفكار المناهج مع الأدب والفلسفة والموروث والعالم المتقدم، وبالتالي مع المستقبل، طريقة مبدعة قلّ حضورها في بلادنا.

ومع هذا فتواضعه هو تواضع العلماء، مع دفاعه القوي الباسل عن وجهة نظره وعلمه، فهذه عزّة المعرفة وشرف الدراية والإدراك، والأهم الوعي المخصّب، الذي يحاول أن يُثري به كل من يراه ويعاشره، ولو كان عن بعد.

هذه أزمة العبقري، الذي يتحول إلى مناضل لتحقيق حلمه لبناء الأردن، ليكون بلدا جديدا في كل شيء، وكل شيء يبدأ بالمناهج والتعليم للنهوض برأسمالٍ بشريٍ عربيٍ كونيٍ خلّاقٍ، بعد أن نالت منه سنون من آلام التشتت التربوي.

لا يتراجع هذا الفارس برغم  المحبطات المحيطة، ففي كل انحناءة ينهض من جديد؛ مفجّرا محاولات مثابرة لإعادة صياغة التعليم ومواكبة حضارة العالم، برغم الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحتى الصحية.

 تحية لجهودك الجبّارة أيها المقاتل العنيد.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

امتحان الرياضيات: مشكلة أم أزمة؟

د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   في الأردن اعتدنا أن نختصر القضايا والأحداث، …