-
د. سليمان صويص –
الأول نيوز – ربما يتذكّر عدد كبير من المواطنين «القنبلة» الصحية والغذائية التي فجّرتها الدكتورة سناء قمّوه، المديرة السابقة لمختبرات الغذاء والدواء، آواخر تشرين الأول 2021، والمتمثّلة بالتصريحات التي أطلقتها وأكّدت فيها وجود مواد مسرطنة في منتجات الألبان والأجبان والأسماك والقمح والأرز والبقوليات والمكسّرات التي يأكلها الأردنيون. يمكن الإطلاع على التصريحات الكاملة للدكتورة سناء من خلال الرابط الالكتروني التالي:
www.garaanews.com/article/42618
أثارت هذه التصريحات في حينها ردود فعل قوية وواسعة، خاصة على وسائل التواصل الإجتماعي، ودار حولها نقاش في لجنة الصحة والبيئة النيابية، بداية تشرين الثاني الماضي. ونشبت جدالات حادة على بعض شاشات التلفزة تواجه فيها د. سناء والسيد نزار مهيدات، مدير عام مؤسسة الغذاء والدواء الذي لم يتورع عن التعامل مع القضية أمام اللجنة النيابية بصفتها «إشاعات» حول سلامة الغذاء، بينما تستند الدكتورة في أقوالها إلى دراسة شاركت في إعدادها ونُشرت في مجلة علمية محكمة مشهورة هي «مجلة علم الغذاء» Journal of Food Science، وهو ما دفع بعض النواب إلى مطالبة مهيدات بالرد علمياً على د. سناء. وقد رفعت المؤسسة قضية ضد المديرة السابقة لمختبراتها أمام القضاء.
مناسبة الحديث عن هذه القضية الخطيرة أن د. سناء نشرت على صفحتها الفيسبوك يوم الجمعة الماضي (4/3/2022) قائلة بأنه تم إبلاغها برد القضية المرفوعة ضدها، واعتبارها شاهداً للحق العام، «وذلك بعد الإنتهاء من الإستماع لشهادة كافة الأطراف وإغلاق الملف بصورة إيجابية مثبتة بالحق لصالحي».
أغلق الملف قضائياً … ومنذ يوم الجمعة الماضي، لم نسمع كلمة واحدة من المسؤولين أو النواب أو الأعيان أو حتى الإعلام عن هذه القضية التي تقض مضاجع الأردنيين، لأنهم جميعاً يشترون ويأكلون من البضائع الغذائية المعروضة في الأسواق والتي لا تزال موضع إتهام !
المنطق يقول : بما أن القضاء، الملاذ الأخير للوصول إلى الحق، لم يصدر أي قرار يدين تصريحات د. سناء …فمعنى ذلك بأن كل ما قالته عن وجود مواد مسرطنة في العديد من الأغذية المتداولة صحيح. المطلوب فوراً من مؤسسة الغذاء والدواء، ومن الحكومة أن يثبتا العكس لكي تدخل الطمأنينة إلى نفوس الأردنيين. والمطلوب من مجلس النواب، خاصة لجنة الصحة والبيئة فيه أن تتحرك على وجه السرعة وتنفّذ ما تعهدت به في تشرين الثاني الماضي بتشكيل لجنة مؤلفة من خبراء صحة الغذاء لمتابعة ملاحظات د. سناء، ومطالبة مؤسسة الغذاء بتقديم أدلّة على سلامة الغذاء موضع الإتهام.
والمطلوب قبل هذا وذاك قيام تحرك سياسي شعبي واسع تشارك فيه الأحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، خاصة الحقوقية، وكذلك خبراء الغذاء والمعنيين بالصحة للكشف عن الحقيقة، والإجابة على السؤال المؤرّق : هل ما يتناوله الأردنيون من ألبان وأجبان مصنوع من «حليب طازج» ـ كما تقول علب وعبوات الشركات ـ أم هو «حليب بودرة معبّأ في شوالات غير مفرغة من الأوكسجين معدّ لإستخدامه كأعلاف في بلد المنشأ »؟ ـ كما ورد في تصريحات د. سناء ؟ والأمر نفسه ينطبق على الأسماك المجمّدة والقمح والأرز والبقوليات والمكسّرات. ويستتبع ذلك ضرورة فتح تحقيق واسع من جهة مستقلة حول الفساد الذي رافق ذلك، وما هي مسؤولية مؤسسة الغذاء والدواء في كل ذلك ؟ هل الحكومة أقوى من لوبي شركات إستيراد الأغذية أم العكس ؟
ولمن لم يعد يتذكّر، او يُعاني من ضعف الذاكرة، نُعيدُ إلى الأذهان الفضيحة المدوّية التي كشف عنها وزير الصحة الأسبق المرحوم الدكتور عبد الرحيم ملحس عام 1996 عندما صرخ في تصريح، وضعته صحيفة «شيحان»الاسبوعية مانشيتاً لصفحتها الأولى «إنهم يُطعموننا قمامة العالم». وثارت حينها نقاشات طويلة في الصحافة ومجلس النواب… وانتهت بإنتصار لوبي الفساد، وذلك بإبعاد ملحس عن وزارة الصحة !
بعد ثلاثين سنة تقريباً….هل سيغلق ملف تصريحات المديرة السابقة لمختبرات مؤسسة الغذاء والدواء سياسياً وإعلامياً أيضاً … ونظل نأكل السموم المسرطنة والقمامة ويزداد انتشار الأمراض، لا لسبب سوى رغبة البعض في التغطية على الفساد، ولكي تراكم شركات استيراد المواد الغذائية ومصانع الألبان والمتواطئين معها الثروات الطائلة على حساب صحة الأردنيين ؟