د. أيمن سلامة * –
الأول نيوز – ما فتئت تزعم دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها واحة الديمقراطية وسط منطقة ترزح تحت نير النظم الاستبدادية، وما انفكت إسرائيل تتشدق بقضائها ” المستقل ” الذي تباهي به الأمم.
لكن شتان بين الواقع الأبلج و البهتان اللجلج ، وباختصار فقد زعمت إسرائيل جهرا نهارا ، أن اتفاقيتي لاهاي عامي 1899
و 1907 لا تنطبقا علي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وصدرت العديد من الأحكام القضائية الإسرائيلية الجائرة في هذا الصدد، حتى تتهرب دولة الاحتلال من الموجبات الدولية وفقا لهاتين الاتفاقيتين تحديدا .
كان رد محكمة العدل الدولية في عام 2004 حاسما ضد المزاعم الإسرائيلية غير المُؤسسة التي زعمت بعدم انطباق اتفاقية لاهاي واللائحة الملحقة بها علي الأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قررت المحكمة في رأيها الاستشاري بشأن الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة: “لاحظت المحكمة أن اسرائيل ليست طرفا في هذه الاتفاقية ولائحتها، غير أن الاتفاقية لم تكن سوي تسجيل للقوانين والأعراف التي كانت تطبقها الدول، أي أنها لم تتضمن أحكاما جديدة ابتدعتها، وانما سجلت الأعراف السائدة بين الدول، أما اللائحة فقد لاحظت المحكمة أن محكمة “نورم برج” التي حاكمت القادة النازيين بعد الحرب العالمية الثانية قد أعقبتها هي الأخرى تسجيلا للأعراف السائدة أيضا، وبالتالي فإن الاتفاقية واللائحة تُكونان جزءا من القانون الدولي العرفي الذي يلزم الدول كلها من دون حاجة إلي أن تكون الدولة طرفا فيها .
لا مَشاحة أن يرافق، باستمرار، تطور القانون الاتفاقي فيما يخص بحقوق المدنيين تحت الاحتلال بشكل خاص، وحقوق وواجبات الإحتلال بشكل عام، القانون العرفي وأحكام المحاكم الدولية والوطنية والآراء الفقهية، وستفصح الدراسة فيما بعد عن ذلك خاصة فيما يتعلق بتجريم التهجير القسري للسكان المدنيين الفلسطينيين.
لقد أشارت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلي مفهوم الاحتلال بمناسبة التعليق علي المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف إلي أن الاحتلال كتعبير نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة، له معنى أوسع مما ورد في المادة 42 من لائحة لاهاي، استنادا إلي أن المادة الثانية المشتركة من اتفاقيات جنيف نصت علي انطباق الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم أحد الأطراف السامية، حتي إن لم يواجه الاحتلال مقاومة مسلحة .
وفي كل الأحوال، فالاحتلال الحربي هو «الغزو باقتحام إقليم دولة معادية، وهزيمة قواتها.. ثم إقامة سلطة عسكرية تحل محل سلطة الحكومة، فالاحتلال حالة واقعية قهرية مؤقتة غير مشروعة، تعقب نزاعا مسلحا تفرضه إحدى الدول على إقليم الدولة الأخرى طرف النزاع العسكري أو على جزء من إقليمها بواسطة قواتها المسلحة، بعد توقف العمليات العسكرية المباشرة لأي سبب من الأسباب، وبحيث تكون سلطة إدارة هذا الإقليم لقوات دولة الاحتلال بما يفرض عليها التزامات قانونية معينة تجاه السكان المدنيين المقيمين على هذا الإقليم ،وحينما يصل الوضع في الواقع إلى حد حالة الاحتلال، يطبق القانون المعني بالاحتلال سواء عُد شرعيا أم لا، ولا فرق في هذا المجال، إن حظي الاحتلال باعتراف المجتمع الدولي أم لا، وما هو هدفه، ولا يختلف الأمر إن سمي في الواقع اجتياحا أو احتلالا.”
سبق للمحاكم الدولية أن قضت بأن الحالة الواقعية والتي تتمثل في بسط سيادة الدولة المحتلة علي كل أو جزء من الإقليم المحتل هي التي تكشف عن الاحتلال باعتباره حالة واقعة، وبغض النظر عن كون ذلك الاحتلال غير شرعي أو شرعي والأخير يتجلى عند اتفاق الدولة مع الدولة الاجنبية باحتلال جزء من إقليمها لضرورة تقدرها الدولة الداعية لذلك الاحتلال، والذي يكاد يجمع الفقه علي دمغه ب “الاحتلالالاتفاقي .”
لم تخرج محكمة العدل الدولية عن ذات المفهوم للاحتلال الحربي، بل أكدته في رأيها الاستشاري بشأن الفتوي الصادرة في 9 سبتمبر عام 2004 ، حول “الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة”، حيث أقرت “بموجب القانون الدولي العرفي، ظلت هذه الأراضي بناءً علي ذلك أراض محتلة وكان لإسرائيل فيها وضع السلطة القائمة بالاحتلال، ولم تعمل الأحداث اللاحقة في تلك الأراضي علي تغيير هذا الوضع وتستنتج المحكمة أن جميع هذه الأراضي (بما فيها القدس الشرقية) مازالت أرض محتلة وما زالت إسرائيل لها وضع السلطة القائمة بالاحتلال .
* إستاذ القانون الدستوري الدولي