الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – ألقيتُ كلمة في إحدى المناسبات، وقبل أن أصل مكاني، استوقفتني صحافيَّة تقول لي: “إلقاؤك رائع، وكلامك مقنع، وأسلوبك مميَّز”. فشكرتها وعدتُ إلى مكاني.
لم أعرف يومها أنَّها أنتِ. أنتِ التي يضجُّ العالم اليوم لغيابها بطريقة مأساويَّة. أنتِ التي حملَتْ راية وطنها منذ نيِّف وثلاثين سنة. أنتِ التي كانت لسانَ حال شعبها المنكوب. أنتِ المسيحيَّة التي لم تميِّز بين مسيحيٍّ ومسلم حتَّى تفاجأ العالم كلُّه يوم اغتيالك أنَّك مسيحيَّة. همُّكِ وطنُك. همُّك شعبك. وأنتِ تعرفين أنَّ المسيحيِّين في وطنك لا يتعدَّون ثلاثة بالمئة. ناضلتِ لأجلِ الحرّيَّة. اقتحمتِ الأهوالَ لأجلِ الكرامة والسيادة. وطنك فخور بك. شعبك فخور بك، ومسلمون قبل المسيحيِّين، لأنَّك كنتِ صوتهم، حقَّقتِ آمالَهم، جسَّدتِ أحلامَهم.
العالم كلُّه هبَّ يشيِّعك بكلام ينبض بالشكر والامتنان لنضالك الجريء؛ بكلمات مليئة بالأسى والحزن على استشهادك الدامي؛ بخواطر نابعة من القلب تحمل العاطفة والعرفان بالجميل.
شيرين أبو عاقلة، أنتِ رحلتِ إلى عالم السماء، حيث ترتاحين من عناء النضال، وتُتكئين الرأس على صدر إله خلقك شجاعة، مقدامة، عصاميَّة، لا تخاف تهديدًا ولا وعيدًا، لا رصاصًا ولا قنابل، لا معارك ولا حروبًا…
العالم بأسره تعاطف معك، لرحيلك المفاجئ وغيابك القصريّ واستشهادك الدامي. لكنَّ رصاصة الغدر التي اخترقت رأسك كانت أرحم من أصوات شاذَّة انطلقت من هنا وهناك تتَّهمك، وأنتِ المسيحيَّة، بالكافرة، وأنَّه لا يجوز أن يُطلَق عليكِ لقب شهيدة.
بالله عليك، قولي لهم:
أين كنتم، يا جهابذة الفكر والدين، يوم كنتُ أتنقَّل ليلاً قبل النهار لأنقل إليكم أوَّلاً، وقائع دامية ومعارك طاحنة؟ كنتم تتنعَّمون بفراش دافئ وليلة سعيدة…
أين كنتم، يا من يُطلقون الفتاوى الواهية بل السخيفة، يوم كنتُ ألقى الصفع والضرب واللطم، وأنتم تلقون المديح والتعظيم من جماعات يضحكون عليكم ويطبطبون لكم…
أين كنتم، يا من تسكنون قصورًا بنيتموها من أموال الفقراء، يوم كنتُ أتعرَّض للموت مئة مرَّة في اليوم الواحد، وأهيِّئ لي مسكنًا من نعش أبيض يغطّي عاركم وخنوعكم وتخاذلكم…
صدق الذي كتب: “شيرين أبو عاقلة قتلتِ اليوم مرَّتين: مرَّة أولى، بطلقة أصابت رأسك وهي ميتة سريعة بكرامة متناهية. ومرَّة ثانية، عندما هاجمك بعضُ السفلة من أبناء وطنك يطالبون بعدم الترحُّم عليك لأنَّك لستِ شهيدة لكونك مسيحيَّة.”
طوبى لك يا شيرين، لأنَّكِ متِّ فداء شعبك الفلسطينيّ، المسلم والمسيحيّ. وتجمهر لوداعك المسلم قبل المسيحيّ. فجمعتِ بذلك في موتك ما لم يستطع أكبر سياسيّ أو رجل دين أن يجمعه.
طوبى لك يا شيرين، لأنَّك سرتِ على خطى سيِّدك يسوع المسيح، الذي ثارَ على الظلم والقهر، وعلى تفكير شعب ظالم وملتوٍ.
طوبى لك يا شيرين، لأنَّك وضعتِ يدك على المحراث ولم تلتفت إلى الوراء، حملتِ صليبَك خلف يسوعَ ربِّكَ وتبعته على طريق الجلجلة.
طوبى لكِ يا شيرين لأنَّك اضطُهدتِ مرَّتين، وعُيِّر وافتُري عليك كلُّ كذب من أجل اسم المسيح، هكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلك، فافرحي وابتهجي لأنَّ اسمك في السماوات عظيم!
