استقبلنا الحاج صالح مُرحبًّا بالحوار معنا، قائلًا “يسعدني أن أتكلم بتاريخ بلدنا لأن خلال الهجرة وما قبلها وبعدها حدث الكثير من المواقف ويجب على الأجيال القادمة أن تعرف ما هي فلسطين فهذا تاريخ بلادنا وأولاد أولادنا”.
استهل الحاج أبو العبد الحديث عن تفاصيل طفولته داخل قريته “المجدل”، قبل أن يهجّرهم منها الاحتلال الإسرائيلي وجرائم العصابات الصهيونية والقصف والدمار والمجازر.
صالح شرف، ويكّنى بـ(أبي العبد)، من مواليد المجدل، عسقلان، عام 1930، حيث كان يبلغ من العمر 18 عامًا عند خروجه من البلاد، يقول “المجدل كلمة رومية بناها الكنعانيين وكلمة المجدل تطل على مرتفع عالي يقبل للحراسة وأشهر ما فيها الجامع الكبير الذي بني عام 1300ميلادي والذي بناه سيف الدين وكثير من الآثار الموجودة في المجدل، وكانت تتبع للعثمانيين ثم البريطانيين”

أكمل وصف المدينة “المجدل قريبة من شاطئ البحر، ويتبعها 53 دولة، والقرى المجاورة إلها حمامة وبربرة وبرير ونعليا وبيت طميا والسوافير الغربي والسوافير الشرقي”.
يواصل الحديث، “في الثلاثينات، في إضراب ال36، كل المناطق والقرى في فلسطين أضربت، ولكن كان أهل المجدل يتمتعوا بشيء اسمه التصنيع، وكانوا يرسلوا صناعتهم إلى القرى المجاورة، صناعة الأقمشة فلسطين كلها تلبس من أهل المجدل، “أهل املجدل فش فيهم إيد بطالة”هذا كان يميزهم عن القرى الثانية، وسوق أهل المجدل كان كبير جداً كل أهل القرى كانت تتسوق منه”.
“قبل النكبة كان في كل المجدل 3 أو 4 سيارات شحن لا أكثر، وكان لواحد تاكسي اشتراه من البرطيانيين كانوا أحضره لمندوب السامي البريطاني يركب فيه واشتراه وكان الواحد المالك للتاكسي في هذه المنطقة”.
وعن معالم المدينة تحدث “كان هناك مَعْلَم الحُسين من العائلة المباركة أخو الحسن وزينب المقربين إلى رسول الله، وبقيت هذه الآثار إلى 1949 إلى أن أتى الاحتلال ونسف المكان عدة مرات ولم يستطيعوا تهديمه وأخرجوا المسؤولين عنه من عنده وجرفوه ولكن ما زالت آثاره حتى الآن، وهناك مقامات للأولياء والصالحين، الشيخ عوض والحُسين كان يرتادها ناس من القرى المجاورة، وجدتي كان تقطن أما هذا المقام، كانوا يهتمون لهذا المقام ويستعملوا الشموع للإنارة”.
يُكمل “المنطقة اللي بتواجد فيها كان فيها جامعين، الجامع الكبير وجامع آخر، الجامع كان في نص المجدل والشارع الموجود فيه يؤدي إلى طريق البحر حتى الآن موجود وتم تحويله لبيع التحف”.

يسترجع التاريخ بذاكرته ويقول “1944 عندما كنت أذهب مع والدي أثناء تدريبه على البندقية لأنه من الثوار، كنت أحمل له الحقيبة، كنت أبلغ من العمر 7 سنوات، وقعت أثناء لعبي وتم أخذي إلى يافا على مستشفى الديجاني، دخلت المستشفى وأجروا لي عملية هناك وأثناء وجودي بالمستشفى وإذا بأبي الذي أحضرني إلى المستشفى أُصيب برصاصة في كتفه وتم إحضاره في المكان الذي كنت فيه وأجلسوه بجانبي”.
تابع الحديث “كان لدينا ترابط كبير في الأفراح والأتراح والمواسم الدينية والأعياد، كانت سهرات التسامر والدبكة في أعراسنا تستم عدة أيام، ويشارك كل أهل القرية في إقامتها داخل القرية ونزف العروس على الفرس حتى تصل إلى بيت زوجها”.
وعن موسم الحصاد قال أبو العبد “موسم الحصاد كانت كل عائلة تنشغل في حصيد محصولها بنفسها حتى تنتهي منه، وكانت العملية تستهلك وقتا طويلاً، ويعتمد على عدد أفراد العائلة وكانت العائلات الصغيرة تتاخر، وفي الحصيد بسبب قلة الأيدي كان يجتمع جميع أهل البلد الذين انتهوا من حصادهم ويذهبون للعونة، وتقديم المساعدة لمن تأخر بالحصيد، ويحصدون معه، ويساعدوه ولا يتركوه حتى يتم إنجاز العمل وتخزين القمح”.

يُردف القول “ثورة عام 1936، أعمامي كانوا من الثوار، كنت أعتز فيهم وأذهب لتفقدهم قبل خروجهم، بعد المغرب وغياب الضوء كانوا يتلثمون ويحملون معهم الزوّادة وينطلقون إلى طريقهم”.
بلهجة فخر بأبناء بلده يواصل الحديث وابتسامة الشوق تعلو جبينه “احنا في البلد لم يؤثر علينا 6 أشهر الإضراب، كنا صناعيين ونعمل في البيوت ونصنع ما نشاء، لكن الإنتاج الزراعي تأثر، أما لثوار والمجاهدين فمن كان يملك المال كان يدعمهم بالمال ومن لم يملك كان يشجعهم بالكلام لرفع معنوياتهم”.
“المناوشات مع أولاد بلدنا والاحتلال كانت تحدث بصورة دائمة، والاحتلال كان أول من يبدأ فيها دائماً، وكانت بتحدث في منطقة الإسفلت اشرقي الذي بيربط المجدل مع إسدود”.
وتطرق الحاج إلى تعامل الانتداب البريطاني مع الفلسطينيين ” من كان يملك بحوذته سكين مطبخ كان يعتبر سلاح، الرصاصة الفارغة تعتبر سلاح، وكان الفدائيون يشترون السلاح بعد بيع ذهب زوجاتهم وخبئونه في المطمورة، والحفر الترابية”.
بلوعةٍ وألم يستذكر الحاج بداية أحداث التهجير على بلاده المجدل، “في بداية الهجوم استمروا ثلاثة أيام يقصفون بلدتنا بالطائرات، حينما اشتد القصف، خرجت أنا ووالديّ وأهلي نحو البيارة يوم وضربونا في البيارة وبدأنا بالخروج من صوت القصف والطيران نحو غزة من الحبر مع أهل البرد”.
“ضربونا بقنابل طول الواحدة منها فوق المتر، واستشهد المئات من أهل البلد”
تابع “قبل الرحيل من البلاد، دفنا بعض الأشياء الضرورية داخل بيوتنا في البلاد أننا سنكون شهر على حد أقصى ومن ثم نعود.. والشهر استمر حتى يومنا هذا”.
ختم الحاج أبو العبد حديثه ” في كل يوم أتذكر طيف بلادي، وقريتي، وبيارات المجدل، وما زلت أنتظر أن ينتهي الشهر الذي قدّرناه وامتد إلى هذا الوقت حتى أعود وأرى البلاد قبل أن ينتهي بي الأجل ووصيّت أحفادي أن لا يفرطوا بحقنا ويتمسكوا بالعودة إلى مكان أجدادهم وبلادهم ولا يتركوها للأعداء”.

 
			 
		 
						
					 
						
					 
						
					 
	