أزمة الخيارات المحدودة

محمد السعيد إدريس –

 

الأول نيوز – كثيرون من العرب، وربما من غير العرب، باتوا متشككين وغير متقبلين لسماع أو قراءة كتابات أو تحليلات تتحدث عن عمق المأزق الذي يواجه كيان الاحتلال الإسرائيلي للدرجة التي أخذت تدفع، وبقوة، إلى تكثيف طرح “دراما الزوال” الإسرائيلي؛ أي سقوط المشروع الإسرائيلي (اليهودي – الصهيوني).

هؤلاء لهم أعذارهم لأنهم مسكونون بعقدة التفوق الإسرائيلي عسكرياً وعلمياً مقارنة بحالة الترهل والانقسامات والصراعات العربية التي أخذت تنخر في الجسد العربي للدرجة التي أفقدته مناعته وصلابته.

رغم ذلك فإن كل هذا لا يكفي لنفى حقائق أخذت تتراكم على كيان الاحتلال في السنوات الأخيرة، حيث أخذت عوامل الضعف تفرض نفسها يوماً بعد يوم.

عوامل بعضها مرتبط بخصوصية النشأة حيث جرى استجلاب شعب الكيان من دول متعددة لكل منها ثقافته وخصوصيته الأمر الذي جعل عوامل الصراع بين هذه المكونات كامنة في جسد هذا الكيان في انتظار اللحظة التي تنفجر فيها، وها هي اللحظة يبدو أنها قد حانت. وبعضها الآخر مرتبط بخصوصية التأسيس. فالكيان جرى إنشاؤه من قبل القوى الكبرى الغربية لحماية مستعمراتها في الشرق الأوسط، وبالتحديد لـ “منع العرب من التوحد” انطلاقاً من وعى مفاده أن “توحد العرب يقود إلى نهضتهم، وظهور هذه النهضة سيولد روح التحدي العربي – الإسلامي في مواجهة الحضارة الغربية ويجعل صراع الحضارات قدراً لا هروب منه”،

هناك مصلحة أخرى من تأسيس هذا الكيان من وجهة نظر الغرب وهى حماية المصالح الاستعمارية في الشرق الأوسط وأهمها الحفاظ على مناطق النفوذ والقواعد الغربية في منطقة الشرق الأوسط الاستراتيجية، وحماية الثروة النفطية الكامنة في باطن أرض دول هذه المنطقة، ما يعنى أن الكيان تأسس لأداء أدوار وظيفية بعينها: إجهاض فرص العرب في النهوض، وحماية المصالح الغربية في المنطقة.

الآن هذه الأدوار الوظيفية تتآكل، فمن ناحية أخذ حلم الوحدة العربية في التراجع. في ذات الوقت تراجعت مركزية إقليم الشرق الأوسط ومكانته في الاستراتيجيات الغربية لأسباب كثيرة، إضافة إلى التحولات التي أخذت تظهر في سوق الطاقة الأمريكي وبروز الولايات المتحدة كدولة منتجة ومصدرة للنفط.

كل هذه الأسباب وغيرها أدت إلى تراجع القيمة الفعلية للأدوار الوظيفية التي أنشئ من أجلها كيان الاحتلال الذي أخذ يتحول تدريجياً إلى عبء ثقيل على الغرب الأمريكي والأوروبي.

تراجع فاقم من مشاعر “خفوت القوة” التي أخذت تفرض نفسها على قطاع إسرائيلي كبير أظهر حرصه منذ سنوات على ضرورة امتلاك مقر إقامة بديل لكيان الاحتلال، هؤلاء يمتلكون الآن جوازات سفر أمريكية وأوروبية ومستعدون للرحيل في اللحظة المناسبة.

يحدث هذا كله في ظل متغير فلسطيني جديد كمي وكيفي أخذ يقلب معادلة توازن القوة داخل الكيان رأساً على عقب. فمن ناحية الكم حدث ما يمكن اعتباره بمثابة انقلاب حقيقي في توازن القوة من المنظور السكاني (الديموجرافي). فوفقاً لمنشورات جهاز الإحصاء الفلسطيني والمعلومات المنشورة عن هذا الجهاز (الأحد 15/5/2022) فقد تضاعف عدد الفلسطينيين عشر مرات بعد 74 عاماً من نكبة عام 1948.

وقال الجهاز في بيان: “بلغ عدد السكان في فلسطين التاريخية عام 1914 نحو 690 ألف نسمة، شكلت نسبة اليهود ثمانية في المائة فقط”، وأوضح البيان أنه “على الرغم من تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني في العام 1948 ونزوح أكثر من 200 ألف فلسطيني غالبيتهم إلى الأردن بعد نكسة عام 1967، فقد بلغ عدد الفلسطينيين الإجمالي في نهاية عام 2021 نحو 14 مليون نسمة. وأن نحو نصفهم (أي سبعة ملايين نسمة) يعيشون في فلسطين التاريخية منهم 1٫7 مليون فلسطيني يعيشون داخل كيان الاحتلال و3٫2 مليون نسمة يعيشون في الضفة الغربية المحتلة ونحو 2٫1 مليون نسمة يعيشون في قطاع غزة”.

خلاصة هذا التقرير تقول إن الفلسطينيين يشكلون الآن 49٫8% في المائة من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، بينما يشكل اليهود ما نسبته 50٫1 في المائة من مجموع السكان. وهؤلاء اليهود يستغلون أكثر من 85 في المائة من المساحة الكلية لفلسطين التاريخية. إلى متى يمكن أن تستمر هذه الأوضاع على ما هي عليه، خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار الفجوة الكبيرة بين معدلات نمو السكان بين العرب واليهود؟ أما كيفياً فإن التحولات التي تحدث الآن على صعيد دوائر المقاومة الفلسطينية الثلاث خاصة عقب حرب “سيف القدس” التي وقعت في مثل هذه الأيام في مايو من عام 2021 تؤكد أن المواجهة الفلسطينية في صعود وأن دخول جبهة عرب فلسطين المحتلة عام 1948 (أي إسرائيل) في معادلة المقاومة الفلسطينية للاحتلال وإعادة تفعيل الضفة الغربية المحتلة، ناهيك عن صلابة قوى المقاومة في قطاع غزة يؤكد أن إسرائيل لن تعرف الاستقرار الجنون الذى أصاب سلطات الاحتلال وقواته الأمنية الذى أدى إلى اغتيال شيرين أبو عاقلة عمداً للتعتيم على مقاومة الفلسطينيين للاحتلال، والجنون الذى صاحب مشاهد تشييع جثمان الشهيدة وعدم قدرة سلطات الاحتلال وقواته الأمنية على مشاهدة آلاف الأعلام الفلسطينية التي صاحبت الجثمان وهى ترفرف وتملأ سماء القدس المحتلة، وعدم قدرتها على الاستماع إلى الأغاني والأهازيج الشعبية الفلسطينية التي ترسخ اليقين الفلسطيني بالحقوق المغتصبة تُعد كلها بمثابة شهادات حية تؤكد أن الكيان لم يعد قادراً على مقاومة التحولات بشهادة رئيس الأركان وزير الدفاع الأسبق شاؤول موفاز أمام معهد رايخمن (هرتسيليا) وقوله إن “الخيارات أمام إسرائيل في علاقتها مع الفلسطينيين قليلة”.

موفاز حدد هذه الخيارات على النحو التالي: “أن نذهب إلى تسوية (مع الفلسطينيين) وهذا مستبعد، أو أننا نستمر في المراوحة في المكان، وهذا سيئ جداً لإسرائيل”.

استخلاص يؤكده صراع السلطة الذي بلغ ذروته بتتابع الاستقالات في صفوف الائتلاف الحاكم، وغداً..سيكتمل مشهد الأزمة أمام الكنيست الذي يرجح سقوط الحكومة بعد أن فقدت أغلبيتها، وقد لا يبقى أمامهم من خيار غير خيار حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة لا تعنى إلا مراكمة الأزمات وفداحة تأثيراتها على مستقبل الكيان الذى يزداد غموضاً وتعقيداً.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الفوسفات… حين تتحوّل الأرقام إلى قصيدة نجاح

الأول نيوز – د. عبدالمهدي القطامين ثمة أرقام تمرّ في سجلات الاقتصاد مرور السحاب، وأخرى …