صديق مدى العمر

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – لم أتوقَّع يومًا أن أمرَّ بشجار حادّ مع أعزّ صديق لي في الحياة. تعرَّفت إليه منذ نيِّف وثلاثين سنة. درسنا معًا وعملنا معًا في المؤسَّسة ذاتها مدَّة طويلة قبل أن أؤسِّس لي عملاً خاصًّا بي، بينما تابعَ عمله في الشركة حتَّى أضحى المدير التنفيذيَّ، بعد عشرين سنة من العمل الدؤوب فيها. ظلَّت العلاقة جيِّدة فيما بيننا. تزوَّج كلٌّ منَّا وكان الآخر أوَّل المدعوِّين بالطبع. أنجب ولدين رائعين، أمّا أنا فلم يرزقني الله أولادًا…

التقينا يومًا على الغداء وطلبَ مني استشارة طبيب اختصاصيّ، لعلّي أنجب طفلاً أفرح به. فلم أقتنع بالفكرة مردِّدًا: “لن أستعين بالطبّ لإنجاب طفل لا يريدني الله أن أنجبه. فلو أراد لي طفلاً لأعطاني إيَّاه دون اللجوء إلى الطبّ”.

لم يقتنع بفكرتي وحاول إقناعي بفكرته، فظللت متمسِّكًا برأيي، كما تمسَّك هو برأيه. فتشاجرنا ولولا وجودنا داخل مطعم لعلا الصراخ فيما بيننا. وانفصلنا على خلاف دون أن يودِّع الواحد الآخر.

لم أرد أن أقطع علاقتي به وبالطبع هو أيضًا. لكنَّني لم أقدم على مكالمته لئلاَّ يظنَّ أنَّ تفكيره صحيح، فتمسَّكتُ بفكرتي ولم أتَّصل به. وكم كنتُ حزينًا أنَّه هو أيضًا لم يحاول أن يتَّصل بي أو أن يُرسل إليَّ كلمة واحدة. فلطالما كان هو المبادر في كلِّ مشاريعنا سويَّة. وكنتُ دائمًا أفكِّر، أتراه حقًّا قطع علاقته بي ولم يُرد بعد ذلك الشجار أن يتكلَّم معي مجدَّدًا؟

وفي يوم قريب، دخل عليَّ في مكتبي رجل محترم وقدَّم نفسه وأعطاني بطاقته فإذا هو طبيب نسائيّ. طلب منّي لو أستطيع تأمين معدَّات طبّيَّة له من الخارج تساوي مبلغًا كبيرًا من المال. فوافقت مسرورًا، فهذا مجال عملي. وعند شرب القهوة، سألني إن كنتُ متزوِّجًا وإن كان لديَّ أولاد. وعندما عرف أنَّني متزوّج منذ خمس سنوات ولم أنجب بعد، قال لي: “ولماذا لم تستشر طبيبًا لهذا الأمر؟” شرحتُ له وجهة نظري. أمّا هو فبدا عليه الحزن الشديد وقال بغضب: “يا للعجب! لا يبدو عليك أنَّك متخلِّف في الرأي! عذرًا، فأنا لا أستطيع التعامل مع أشخاص متخلِّفين، الغِ الطلبيَّة!” وقام من مكانه وخرج دون وداع.

انذهلتُ من أقواله ومن تصرُّفه المفاجئ. ولم أدرِ ماذا أفعل. ولكنَّني بعد نصف ساعة، أدركتُ أنَّ تفكيري رجعيٌّ فعلاً. خسرتُ أعزَّ أصدقائي، وبدوتُ سخيفًا أمام طبيب مثقَّف. فاتَّصلتُ بسكرتيرته وأخذتُ أقرب موعد معه، وتوجَّهتُ مع زوجتي في الموعد المحدَّد… أجرى الطبيب الفحوصات اللازمة وتبيَّن خلل صغير استطاع مداواته ببعض الحبوب. ولم تلبث زوجتي أن حبلت وأنجبت توأمًا من الصبيان زيَّنا حياتنا الزوجيَّة.

في هذه الأثناء، اتَّصلتُ بصديقي الوفيّ واعتذرتُ منه وأخبرته بما جرى لي. واكتشفتُ عندها أنَّه هو الذي دفع طبيب زوجته لزيارتي والقيام بما قام به من تصرُّف قاسٍ أعادني إلى صوابي وإليه، ووضع السعادة في حياتي.

ما أجمل أن يكون لك صديق يخالفك الرأي أحيانًا، لأنَّه يهتمُّ بمصلحتك بصدق.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الطبيب المزيف والأحذية العلاجية!

محمد الرميحي- الأول نيوز – طبيبة أمريكية في إحدى الولايات، ظهرت على جمهورها من خلال …