أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – اختصر الرئيس الأميركي جو بايدن الأمر بجملة من أربع كلمات عندما وصف زيارته إلى الاحتلال الإسرائيلي في مقابلة متلفزة بأنها “مثل العودة إلى الوطن”.
هذه هي إسرائيل “الوطن” بالنسبة للرئيس الأميركي الذي يزورها للمرة العاشرة في حياته السياسية، وباقي التصريحات وأهداف الزيارة غير غاز الخليج تفاصيل صغيرة لن تتعدى مصالح الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل، فلا تنتظروا شيئا أيها المنتظرون، ولا تصدقوا حكاية الدولتين التي تلعب بها السياسة الأميركية، ويرددها العرب والفلسطينيون من بعدهم للأسف.
ألا تتذكرون خطاب الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما في جامعة القاهرة في 4 حزيران (يونيو) 2009، عندما أعلن تضامنه مع معاناة الشعب الفلسطيني “الواقع تحت الاحتلال”، مؤكدا أن إقامة الدولة الفلسطينية ستكون على رأس أولويات عمل إدارته. ودعا حينها إلى وضع حد للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وهو ما جعل أوساطا سياسية عربية وفلسطينية تعتقد أن إدارة أوباما ستنتصر للحقوق الفلسطينية، الشيء الذي لم تقم به أية إدارة أميركية سابقة.
يومها، اعتقد المفاوض الفلسطيني أنه سيكون إزاء مفاوضات “مريحة” مع الجانب الصهيوني، وبأن تل أبيب هي الطرف الذي سيجد نفسه في مواجهة ضغط أميركي متوقع في سياق قيام واشنطن بترجمة خطاب الرئيس بشكل عملي.
وعلى ذلك أيضا، أشهر المفاوض الفلسطيني – للمرة الأولى منذ بدء مسيرة التفاوض منذ نحو عشرين عاما- مطلب الوقف التام والشامل للاستيطان مقدمة لبدء مفاوضات مع الجانب الصهيوني. ويبدو أنه لم يقبل على نفسه أن يكون موقفه أقل تقدما مما أعلنه الرئيس الأميركي، بل أضاف أيضا تحديد مرجعية المفاوضات، بما يحدد قيام الدولة الفلسطينية المتوقعة على أساس خطوط الرابع من حزيران (يونيو) 1967.
وعلى هذا، كان المفاوض الفلسطيني يرى نفسه جاهزا لخوض “مفاوضات مظفرة”، وقد تعزز لديه هذا التقدير بعد صدور بيان اللجنة الرباعية في 26 حزيران (يونيو) 2009، الذي حث حكومة إسرائيل على “تجميد أشكال النشاط الاستيطاني كلها، بما في ذلك النمو الطبيعي، وتفكيك البؤر الاستيطانية التي أقيمت منذ آذار (مارس) 2001، والامتناع عن الأعمال الاستفزازية في القدس الشرقية، بما في ذلك هدم المنازل وعمليات الإخلاء”.
وقتها؛ وللمرة الأولى منذ أن اعتلى الرئيس محمود عباس سدة القرار الفلسطيني، لم تنجح الضغوط الأميركية وغيرها في ثني الجانب الفلسطيني عن مواصلة تحركه السياسي نحو مؤسسات الأمم المتحدة بدءا من مجلس الأمن، في سياق فتح معركة مع سياسات الاحتلال التوسعية، بعد أن انقضى الكثير من الوقت الفلسطيني الحرج في الرهان على الجهود الأميركية وقدرتها على تأمين الأسس اللازمة لإطلاق مفاوضات تتمتع بأسباب النجاح، ربطا بالوصول إلى حل متوازن وشامل للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
هذه الجرأة أعادت الموقف الأميركي إلى سياقه الطبيعي، واستخدمت واشنطن حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن ضد مشروع القرار العربي الذي يدين الاستيطان الإسرائيلي، برغم أن هذا المشروع حظي بتأييد دولي واسع.
ولم يأت الموقف الأميركي هنا خارج سياق التوقعات، فقد بذلت الإدارة الأميركية جهدا قبل جلسة التصويت كي “تقنع” الجانب الفلسطيني بسحب مشروع القرار من التصويت، ولم “تبخل” عواصم عالمية عدة في التقدم بمثل هذه الجهود للهدف ذاته.
المواقف الأميركية في الموضوع الفلسطيني لا تتغير ولا تتبدل، لهذا يهتف الفلسطينيون ومن بقي من العرب عربا في الشوارع: “أميركا هي هي.. أميركا رأس الحية”.
الدايم الله….