وسقطت المقولة

 

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – كان وليد فقيرًا واستطاع أن يملك ثروة صغيرة بعدما قدَّم له رجل ثريّ مبلغًا كبيرًا من المال وجعله يوقِّع على ورقة إذا لم يستطع الاستفادة من المال لتحقيق مشروع حياته خلال سنة فعليه إعادة المبلغ. وبالفعل استطاع وليد خلال سنة أن يؤسِّس شركة خاصَّة تهتمُّ بتدوير المهملات، ولم يقبل إلاَّ أن يعيد المال لصاحبه متمنِّيًا عليه أن يسعف آخرين طموحين يحتاجون إلى رأس مال. ومن بعدها، أمضى حياته في مساعدة الفقراء وإيواء المشرَّدين في نزل اشتراه لهذه الغاية.

سكن إلى جوار بيته جارٌ حسده على النعمة التي وصل إليها بعدما كان فقيرًا، فمقته وأراد له الشرّ. فراح يراقب تحرُّكاته وهو يتحيَّن الفرص للإيقاع به. فاتَّفق مع أحد اللصوص أن يمضي إلى وليد ويقول له إنَّه مشرَّد ويحتاج إلى مكان للمبيت وأنَّ أشخاصًا كثيرين دلَّوه عليه. فأخذه بيده إلى النزل وأعطاه غرفة مفروشة ليبيت ليلته فيها. وبعد ساعة، استدعى اللصُّ وليدًا ودلَّه على خاتم من السوليتير موضوعًا على الطاولة، قائلاً له إنَّه وجده تحت السرير وهو يعيده إلى مالكه الأصليّ. أخذ وليد الخاتم وحمله إلى أقرب صائغٍ فأكَّد له الصائغ أنَّ ثمنه غال جدًّا. فتعجَّب من وجوده في النزل ولكنَّه لم يكترث للأمر بل وضعه في جيبه ريثما يقرِّر ما يعمل به. وما إن وصل إلى مكتبه حتَّى أمسكت به الشرطة ووجدت الخاتم معه فأخذته إلى النظارة. فالخاتم انتُشل منذ يومين من إصبع سيِّدة ثريَّة كانت تأكل في أحد المطاعم…

حاول وليد تبرير ما جرى وأخذ الشرطة إلى النزل خاصَّته ولكنَّه لم يجد اللصَّ في الغرفة. ولم تستطع الشرطة إيجاد بصمة واحدة لذلك اللصّ في الغرفة ولا على الخاتم.

وفي المحكمة، تقدَّم الكثيرون ممَّن أسعفهم وليد في تحسين حالتهم الاجتماعيَّة، وأعطوا شهادة حسنة فيه، بينما تقدَّم آخرون نالوا نصيبهم من رشوة، راحوا يكيلون له الشتائم متَّهمينه بأنَّه لصٌّ محترف…

نحن في عصر، يقع الكثير من الخيِّرين في أيدي النصَّابين، بعضهم يُفلت من براثنهم، بينما الآخر يقع في حيلهم ولا يستطيعون الخروج منها بسهولة. كم من أحكام في المحاكم تصدر فتتَّهم البريء وتبرِّئ المجرم! كم من قاضٍ يرتشي فيجعل السواد بياضًا والبياض سوادًا! فسقطت مقولة: “صاحب الحقِّ سلطان!”

كم من فاعل خير تلقى أعماله الإجحاف وسوء الظنّ، وأحيانًا التأنيب والتوبيخ! وكم من فاعل شرّ يلقى الدعم والإطناب والتكريم!… هوذا عصر أضحت الكلمة فيه لصاحب المال والقوَّة لا لصاحب الحقّ، فالبريء يُظلم والمجرم يبرَّأ؛ واللصُّ يكرَّم ويحوذ على المناصب، والشريف يُهان ويُحتقَر… ويبقى الحرُّ ذاك الذي يعمل بصمت فلا يدع شماله تعرف ما صنعت يمينه، يدافع عن الحقّ ويرفض كلَّ أنواع الظلم، وما يقوم به لا أحد يعرف به إلاَّ ربُّه.

فالأحرار هم أولئك الذين يمشون مع صاحب الحقّ، أمّا العبيد فيسيرون خلف صاحب القوَّة. فلا تعجب من دفاع الأحرار عن الضحيَّة، ودفاع العبيد عن الجلاّد!

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

المملكة بين ذاكرة التأسيس ومسؤولية الامتداد

الأول نيوز – د. حسين سالم السرحان في مسيرة الدولة الأردنية لم يكن البناء السياسي …