الخوري أنطوان الدويهيّ –
الأول نيوز – أمضيتُ أسبوعًا كاملاً في مصر أتنقَّل بين الأمسِ واليوم. في كلِّ موضع أثريّ جديد تزداد الدهشة والعجب. أسئلة كثيرة ما زالت حتَّى اليوم تحيِّر العلماء قبل العامَّة: كيف بُنيت الأهرامات؟ كيف كانت تتمُّ عمليَّة التحنيط؟ ما الموادّ التي استُعملت لتبقى الجثَّة سليمة طوال هذه السنين؟ إن اكتُشف بعض الأجوبة فالبعض الآخر ما زال مجهولاً؟
واستوقفني سؤالٌ حيَّرني جدًّا: كيف يمكن أن يحكم فرعون مصرَ رعمسيس الثاني طوال سبع وستّين سنة ويموت في التاسعة والتسعين من العمر ولا يوجد في قبره ما وُجد من كنوز في قبر توت عنخ آمون الفرعون الذي قُتل وهو في الثامنة عشرة من عمره ولم يحكم سوى عشر سنوات؟ ويأتي الجواب: فوق المقبرة التي دُفن فيها توت عنخ آمون دُفن فرعون آخر لم يترك اللصوص في مقبرته شيء من الكنوز. ولم يفكِّر اللصوص أنَّه يمكن أن توجد هناك مقبرة تحت المقبرة الأولى. وهنا يأتي السؤال الأبرز: إن كان هائلاً ما وجد من كنوز في مقبرة توت عنخ آمون، فما هو مقدار الكنوز التي كانت في مقبرة رعمسيس الثاني مثلاً، والتي سُرقت برمَّتها؟
مصر غنيَّة بالآثار الفرعونيَّة وما زالت حتَّى اليوم تُخرج من باطنها القديم الجديد، بالرغم من الكنوز الهائلة التي أقدم لصوص محترفون على سرقتها عبر العصور. والجدير بالتوقُّف عنده، بمعزل عن الآثار، أنَّ ذكر الله موجود في كلِّ مكان؛ ولاسيَّما تلك الآية التي تقول: “لئن شكرتم لأزيدنَّكم”. لا يتوقَّف الشعب المصريّ عن شكر الله وحمده على كلِّ النعم التي منَّ الله عليهم بها، أعظمها على الإطلاق نهر النيل الذي هو هبة الله لمصر، فلولا النيل لكانت مصر صحراء جرداء لا حياة فيها.
عرف الشعب المصريّ أن يشكر الله فأزادهم من نعمه. وما إن نخرج من القاهرة، المدينة القديمة، حتَّى تطالعنا مدينة القاهرة الجديدة التي تنقلنا من عالم الصحراء إلى حديقة وسيعة غنَّاء، وكأنَّك تنتقل فجأة من بلد صحراويّ إلى بلد معتدل.
ما أجمل بلادنا العربيَّة التي، إن عرفت السلام، أزادها الله من خيراته ونعمه! أما حان لها أن ترتاح من تدخُّل الغرب في شؤونها الخاصَّة؟ أما حان لها أن تتكاتف وتتَّحد وتتعالى فوق الطائفيَّة والمذهبيَّة والتيَّارات الحزبيَّة التي تشرذمها وتُضعفها فلا تترك للآخرين السيطرة على مقدّراتها وثرواتها؟
حين تتقاتل الأحزاب على الثروات والنفوذ والسلطة، تفتقر إلى خيرات الله، وبقدر ما تتكاتف وتتَّحد يزيدها الله من نعمه. ويبقى السلام هو النعمة العظمى التي تسعى إليها الشعوب قاطبة، ولا تجد لها سبيلاً. فكلُّ ما تتمنَّاه الشعوب من خيرات دنيويَّة تحصل عليها لأنَّها مع كثرتها تبقى فانية، ومع قدمها هي زائلة. والسلام الداخليّ هو النعمة الأعظم التي ينالها الإنسان الذي يركن إلى الله شاكرًا له نعمًا وخيرات نالها في حياته؛ وقليلون من يحصلون على هذه النعمة!