أيمن سلامة –
الأول نيوز – تُعد الوساطة إحدى الآليات السلمية الرئيسة التي يتم اللجوء إليها لتسوية المنازعات والصراعات بأنواعها المتعددة، وفى مستوياتها المتنوعة، باعتبارها تمثل إحدى عمليات تخفيف الصراع وتخفيض حدته، وبهذا المعنى؛ فالوساطة إحدى وسائل صنع السلام التي تختارها الأطراف المعنية ذاتها، حيث يتحدد دور الوساطة فى تخفيف حدة الصراع وتخفيض – إن لم يكن إيقاف – سرعة تصاعده.
وطبقًا لآلية الوساطة؛ فإن الأطراف المتنازعة أو المتصارعة تجتمع معًا فى لقاء خاص يتم وجهًا لوجه، وبحضور بعض الوسطاء، وهم عبارة عن طرف ثالث، محايد، كما في الحالة اللبنانية الإسرائيلية ، و يعمل الوسيط الدولي كمحفز تتحدد مهمته فى مساعدة الأطراف على التوصل إلى تسوية أو حل مقبول من كل الأطراف لقضايا النزاع أو الصراع بينهما ؛ فالوساطة تمثل إحدى الآليات السلمية التي تلعب المهارات الشخصية والمهنية للوسيط كطرف ثالث – بالتفاعل مع عوامل أخرى – دورًا رئيسًا فى تيسير توصل الأطراف المعنية إلى تسوية مقبولة أو حل مُرضٍ لصراعاتهم أو منازعاتهم.
وتتميز الوساطة فى الأساس بكونها اختيارية، وتتجلى هذه الصفة فى كل الأمور، فهي تحكم: مبادرة الوسيط، حيث لا شيء يلزمه بتقديم وساطته، وتتمتع الدول أطراف النزاع بحرية كاملة فى رفضها الوساطة، أو الانسحاب منها فى أي وقت، وفى نهاية المطاف نتيجة الوساطة ليست إلزامية ولا تفرض على أطراف النزاع.
فالوساطة: مسعى طوعي، تكون فيه موافقة الأطراف أمرًا حاسمًا من أجل القيام بعملية قابلة للتطبيق والتوصل إلى نتائج دائمة، ويتأثر دور الوسيط بطبيعة العلاقة مع الأطراف، وهنا يجب أن نشير إلى تمتع الوسيط الأمريكي بعلاقات قوية مع طرفي النزاع إسرائيل ولبنان .
وتستجيب عملية الوساطة الفعالة لخصوصية النزاع، وتأخذ فى الاعتبار أسباب النزاع ودينامياته، ومواقف الأطراف ومصالحها وتجانسها، واحتياجات المجتمع على نطاق أوسع، فضلًا عن البيئتين الإقليمية والدولية ، وتنبع خصوصية النزاع اللبناني الإسرائيلي من مسائل قانونية وواقعية عديدة : فالدولتان متحاربتان قانونا وواقعا منذ توقيع اتفاق الهدنة بين البلدين في عام 1949 ، وفي ذات الوقت لا يمكن الجزم بالاستقرار السياسي في الداخل الإسرائيلي في ضوء تشكيك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق في “تمثيلية ” رئيس الوزراء الحالي ” لا بيد ” لإسرائيل في ابرام اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع لبنان ، ولكن يظل الاحتلال الإسرائيلي لأجزاء كبيرة من لبنان منذ عام 1967 يشكل ضاغطا ثقيلا علي أي مسؤول لبناني يثنيه عن تقديم ثمة تنازلات جوهرية في الأقاليم اللبنانية سواء البحرية أم البرية .
وبمجرد إعطاء الموافقة على الوساطة؛ فمن الممكن سحبها فى وقت لاحق، إذا رفض أحد الأطراف استمرار الوسيط فى جهوده، وهنا يعلن الوسيط انتهاء الوساطة التي يمكن أن يبادر الوسيط أيضا بإنهائها حين يتيقن أنه لا جدوى من الاستمرار فى وساطته فى ظل تعنت أحد الأطراف أو جميعهم فى مواقفهم المتصلبة المغايرة.
ويُعد الحياد حجر الزاوية فى الوساطة، وينبغي أن يكون الوسيط قادرًا على إدارة عملية متوازنة يتم فيها التعامل مع جميع الجهات الفاعلة بشكل منصف، وينبغي ألا تكون له مصلحة مادية فى النتيجة. ويتطلب ذلك أيضًا أن يكون الوسيط قادرًا على التحدث مع جميع الأطراف الفاعلة ذات الصلة بحل النزاع.
والخاصية المميزة للوساطة هي أن مجال حرية التحرك فيها مفتوحة لأقصى درجة، الأمر الذي يجعلها مصدرًا للمساوئ أو حتى المخاطر، فغياب قواعد محددة لهذا النوع من الإجراءات لا يمنح أطراف النزاع الضمانات التي تنتج عن كيفية تعامل الوسيط مع الأزمة، وتترك المجال مفتوحًا لمبادرة وعمل هذا الوسيط.
ختاما ، إن سياسة ضم الأراضي المحتلة وقضم الأقاليم لا تنفع إسرائيل دوما ، وعلى إسرائيل أن تتذكر خرقها للاتفاق الذي سبق للبنان أن وقعه مع قبرص لتعيين الحدود البحرية بينهما ، حين وقعت إسرائيل وقبرص لاحقا اتفاقية تعيين الحدود البحرية بينهما تنتهك الولايات البحرية للبنان في شرق المتوسط ، وهذا ما أدي إلى رفض مجلس النواب اللبناني المصادقة على الاتفاقية الموقعة مع قبرص .