أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – نادرا؛ وبكل تأكيد اكرر نادرا، ما أن تجلس مع مسؤول سابق برتبة وزير او رئيس وزراء او في أي موقع حساس، إلا ويبدأ بسرد البطولات التي قام بها عندما كان في سدة الموقع، وأن الأمور خربت من بعد ما ترجل عن كرسيه.
يسرد حكايات ومواقف لولا أن الله وضعه في هذا المكان لخربت البلاد، وعم الفساد، لكنه بحدسه المرهف، ووطنيته الزائدة منع وقوع كوارث لو وقعت لكانت سوادا على الجميع.
في الاردن تصل الأمور إلى أن لا تفرق بين المعارض الجذري وبين الموالي وابن الدولة منذ أن كان في الثاني ثانوي ج، لهذا درجات الاستغراب من أن ينتقل موال إلى صفوف المعارضة فجأة، أو ينتقل معارض إلى حضن الموالاة لم تعد موجودة.
تعلمنا في الحياة السياسية أن ليس من السهولة نقل البندقية من كتف إلى آخر، ولا من اليسير أن ينتقل أشخاص من حِضن الموالاة إلى خنادق المعارضة، فمهما كانت قساوة اللّغة وطريقة طحن الأعداء، فالموالاة موالاة، والمعارضة معارضة.
هذا في البلدان جميعها، أما عندنا في الأردن، فهناك سهولة بالغة في الانتقال والقفز من حضن الدولة إلى حضن المعارضة، والعكس صحيح، ولا تستغرب إن سمعت خطابا عرمرميا ثورجيا من رجل محسوب على الدولة، منذ أن كان عريفا في الأمن العام، إلى أن وصل أعلى المراتب القيادية في الدولة، ولكن بقدرة قادر، وبغضبة موقف، أو لحظة حسد، يصبح ثوريا جذريا، يفنّد مواقف الدولة، ويهاجم سياساتها، ويُكثِر طبعا من التحذيرات.
بالمناسبة؛ وكحدس استباقي، سوف نسمع في بداية الدورة البرلمانية الجديدة خلال الأسبوع المقبل، في مجلسي النواب والاعيان، خطابات من زعامات تقليديين فيها مصطلحات لا تُشبه أصحابها، ومواقف بعيدة كل البعد عن مطلقيها، فكانوا في أكثر اللّحظات الحالكة من عمر البلاد يقودون المرحلة العُرفية، وهم الآن يتباكون على الديمقراطية المنتَهكة، ويلومون غياب الحكومات البرلمانية، وهم طوال أعمارهم النيابية، لم يقدموا فعلا وطنيا تقدميا، وإنما كانوا محسوبين على الخط الرجعي في الدولة، وقادةً لقوى الشد العكسي.
حتى في اللحظات الصعبة التي تمر بها البلاد المحاصرة بطوق النار من كل الجهات، تصغر فيها المطالب الوطنية في البحث عن توزير مناطقي، وعن غياب تمثيل مناطق أخرى.
في صفوف المعارضة التقليدية الحزبية والهيئات الأخرى، شخصيات يتربعون الآن على كراسي القيادة، كانوا في زمان مضى، محسوبين على خط الدولة، أمنيا أو في وظائف حكومية، وبسبب موقف ما أو قضية ما، انقلب حالهم ليعودوا إلى صفوف المعارضة، حتى الآن لا يستطيع الكثيرون هضم ذلك، أو تسويغه، مهما حاولت هذه القيادات تقديم مواقف معارضة، وأكثر تطرفا.
للموالاة أصولها، وللمعارضة جذورها، ومن يحاول اللّعب على الحبلين، والنطنطنة، فهو مكشوف، ولن يغيّر في انطباعات الناس شيئا، ولن يصدّق مواقفه أحد، لا بل يصطلي بسيل من النقد الجارح من قبل المستمعين.
الدايم الله…..