أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – نمرّ بمرحلة في غاية الحسّاسية، لا ينفع فيها الجَلْد، وتوزيع الاتّهامات، وتحميل المسؤوليات، إنّما نحتاج إلى رصّ الأكتاف إلى جانب بعضها، لنخرج من هذا النفق.
الحكومة، في النظرة الشعبية منتهية الصلاحية، وهناك شبه إجماع على أنها تأخرت كثيرا في الأزمة الأخيرة التي هي سبب وقوعها، وعندما تدخلت لم تقدم شيئا، وذهبت لدعم فقراء صندوق المعونة الوطنية بأقل من 15 دينارا معونة شتاء.
والنّواب، يتوجهون إلى الحصول على نتيجة أكثر المجالس النيابية نحسًا، فبعضهم يهوى ممارسة تسجيل المواقف بلا تدقيق في المعلومات، وبعض آخر يتسابقون في تقديم المذكرات النيابية للتّكسُّب الشعبي، وآخرون كأن على رؤوسهم بطحات فهم يتخوفون من الرحيل المبكر بعد قانوني الأحزاب والانتخاب.
المعارضة، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين ونواب الإصلاح حاولوا أن يفعلوا شيئا فذهبوا إلى الحسينية في معان ودعموا مطالب المحتجين، ويلعبون مع الدولة لعبة عض الأصابع، لأن ثنائية “الدولة –الاخوان” لم تنه بعد.
طبعا؛ باقي الأحزاب السياسية، من يمين ووسط ويسار، أحزاب قديمة أو جديدة، إكتفى بعضها بإصدار بيانات لا تسمن ولا تغني من جوع، وأكثرها صمت كصمت أهل القبور.
نكررها للمرة المليون، في هذا الوقت الصعب، نحتاج إلى عقلاء وحكماء ومخلصين، قلوبهم واجفة على الوطن، لا على أجندات أخرى، نحتاج إلى أصحاب آراء مخلصين منتجين، لا إلى أصحاب؛ “نَعم سيدي”.
أُتْخمنا بقرارات التنفيع والتزبيط، وتوزيع المغانم إلى الأصدقاء والأقارب والأنسباء مع أننا لسنا في بحبوحة، وأصبحنا نقتنع، (رضينا أم لم نرض) بألّا حل لأزماتنا الاقتصادية إلّا بالخنوع لوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين، وأنهما قَدرنا بعد أن وصلت أوضاعنا حدًا لا يمكن له أن يستمر.
نحتاج إلى مخلصين وعقلاء وحكماء وخبراء في بطانة صانع القرار، أولوياتهم وطنية، وهمّهم المواطن ومستقبله، وثوابت بوصلتهم لا تخطئ، شخصيات سِجلّاتهم نظيفة، لا تدور حولهم شبهات، مترفعين عن التنفيع، والبحث عن المكتسبات الشخصية.
نحتاج إلى عقول سياسية، لا موظفين اقتصاديين ناجحين في مشروعاتهم الخاصة من دون أظهر تساندهم، نجدهم مع الوطن إذا ناداهم، لا مع جنسياتهم الأخرى إذا ضُغط عليهم، وإلى إصلاحيين حقيقيين، لا أعداء للإصلاح، يقودون مسيرة الإصلاح، يمارسون الديمقراطية دائمًا، ليسوا من مشجعي الأحكام العُرفية.
هؤلاء العقلاء والحكماء ليسوا فقط في بطانة صانع القرار، بل نحتاجهم في المؤسسات الوطنية كلها، في الأحزاب والنقابات، في الحراكات ومؤسسات المجتمع المدني، في مفاصل حياتنا جميعها.
كانت مسيرة الإصلاح التي انطلقت في البلاد بعد هبّة نيسان عام 1989 ومغادرة الأحكام العرفية فتحًا جديدًا في تفكير وعقل الدولة، إلّا أن خطوات المسيرة الإصلاحية تعثّرت كثيرًا، وتباطأت أكثر، وقوِيت شوكة قوى الشد العكسي أكثر وأكثر.
الحديث عن الإصلاح يبقى ناقصًا إذا لم يترافق مع إصلاح اقتصادي حقيقي يحمي حياة المواطنين المعيشية ، ويحفظ كرامتهم من العوز والحاجة، وهذا أيضًا لن يتحقق إذا لم نشعر جميعًا بأن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين أولوية قصوى، يجب ألّا يتم التعامل معها بالقطعة وحسب الوزن.
نريد عقلاء يمنعون الكوارث قبل وقوعها، وقبل أن يُنقل المايكروفون من العقلاء إلى الشارع.
الرحمة والفخر للشهداء، ويبقى الوطن عزيزا.
الدايم الله….