أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – في أجواء عيد الميلاد المجيد، وأمطار الخير، وزخات الثلج المنتظرة، نقول..كل عام والجميع والوطن بالف خير وفرح وآمان…
تعافى الإعلام الرسمي والإعلام عموما من الإصرار على تسمية رؤساء الكنائس والشخصيات المسيحية، بالطوائف، وشطب الإعلام عن وعي الصيغة السابقة “الملك يستقبل رؤساء الطوائف…” و”الحكومة تهنىء الطوائف المسيحية..” فالمسيحيون في الأردن ليسوا طوائف بل أبناء عشائر غسانية صرفة، أصل جذور هذه البلاد وقراميها.
ناضلنا كثيرا لوقف استعمال مصطلحي “الطوائف” و”التعايش المشترك”، وهما الآن خارج قاموس الخطاب الرسمي الأردني، أتمنى أن يكون هذا موثقا في الأدبيات دائما ولا تتم العودة عنهما.
قبل سنوات إعترضنا على إقامة فعالية في الفحيص عنوانها “العيش المشترك.. الأردن أنموذج”، من دون التشكيك بنقاء سريرة القائمين عليها ولا المتحدثين، وإنما الاعتراض جاء على إلقائنا الضوء على قضية محسومة بالمطلق وبعمر مئات السنين، والأهم، لِمَ تم اختيار مدينة الفحيص لاحتضان هذا العمل؟.
قلنا يومها، إذا كان اختيار الفحيص لخصوصيتها، وأنها مدينة مسيحية، فهذا الاختيار ليس موفقا، لأن أهلها يرفضون صبغ مدينتهم الجميلة والدافئة، والمهددة من لافارج بصبغة دينية، فهم قبل أن يكونوا مسيحيين، هم قبائل عربية، وأبناء عشائر، ينتمون لها بعمق أكثر من انتماءاتهم الطائفية.
حتى مصطلح الطوائف، فهو مرفوض في الفحيص جملة وتفصيلا، والأهم من هذا كله لا توجد مشكلة بين أهالي الفحيص والمدن والعشائر المحيطة بها، لا بل؛ حجم العلاقات – على سبيل المثال – بين الفحيص وماحص والسلط اعمق وأكثر تجذرا من العلاقات الداخلية بين عشائر المنطقة، فَلِمَ لفت الأنظار إلى قضية العيش المشترك.
النبش في قضية غير موجودة، يفتح الأعين عليها، وقد تكون هذه الأعين لا ترغب بالحالة المثالية التي تعيشها المنطقة، ومن الممكن أن تتسرب أفكار متطرفة لإيذاء هذا النسيج الاجتماعي الرائع الذي لا يمكن أن تجد له مثيلا في أي مكان عربي آخر.
لا تحتاج الحالة الطبيعية من العيش المشترك في الأردن عموما إلى كيل المدائح، لأن إبراز أي طابع ديني، والدفاع عن هُويات فرعية، فيه استحضار لحالة غير موجودة، والأخطر أن فيه ضربا بهُوية المواطنة التي هي من المفترض أن تكون هُوية الأردني الأصلية.
أكتب عن الفحيص تحديدا ودائما، بحميمية الابن الذي ولد على ترابها، وعاش الطفولة كلها في حاراتها وفي منطقة “الربع” تحديدا، من دون أن يلفت نظره أحد إلى أن جيرانه وجاراته الجميلات يتّبعون دينا آخر، وفي مدارسها التي لم تعرف يوما أن هناك طلابا مختلفون في الديانة والانتماء، وأب لابنة ولدت في دبة العكارشة فحظيت باسم دلع “وسن عكروش”، قبل أن تكنى بأم آدم النعيمات، ورفقة أخوية مع طيف من شبابها من العشائر كلها، هم أقرب إلى النفس من أبناء العمومة والخؤولة.
أكتب عن حياة عشتها تقترب من الستين، لم أعرف فيها مكانا لمصطلح العيش المشترك، وإنما للحياة المشتركة مع شبابها وصباياها، ولا أسمح لأحد بأن يأتي لكيل المدائح لهذه الحياة على اعتبار أنها قيمة مختلفة عن مناطق أخرى، لأنها فعلا حياة مشتركة وليست عيشا مشتركا، أو المصطلح الأسوأ “التعايش المشترك”.
الدايم الله….