ماذا تعني وساطة الأمين العام للأمم المتحدة بين روسيا وأوكرانيا ؟ 

 

 

أيمن سلامة –

 

الأول نيوز – احتَد سُعار الحرب حامية الوطيس في أوكرانيا، ولم تعد ثمة كُوّة حقيقية واحدة لتسوية النزاع بين البلدين المتحاربين روسيا وأوكرانيا، وحتي المفاوضات المباشرة بين ممثلي البلدين لوقف اطلاق النار لتأمين الممرات الإنسانية في هذا البلد المكلوم أخفقت في ابرام اتفاق مؤقت في هذا الصدد، بيد أن  الأنباء  الواردة من نيويورك تحمل بصيصاً من الأمل حين صرح الأمين العام للأمم المتحدة استعداده للوساطة بين البلدين  المتحاربين منذ نهاية فبراير هذا العام .  

تواترت الأنباء بين الفينة و الفينة عن جهود الوساطة الدولية التي تقوم بها دولة ثالثة، ولم يكشف أي نقاب عن جهود المنظمات العالمية أو الإقليمية للقيام بآلية الوساطة بيم روسيا و أوكرانيا .  

تعد الوساطة الدولية أحد أهم أدوات التسوية الدبلوماسية السلمية للنزاعات الدولية، وأسبغت الممارسات الدولية فضلا عن المواثيق الدولية على الوساطة الأسس والأركان والمتطلبات القانونية التي لا يجوز تجاهلها أو الحيف بها عند ممارسة الوسيط الدولي جهوده التوسطية المحمودة، ولا يجوز أيضا للدول أطراف النزاع الدولي أن تنتهك الأعراف والقواعد الدولية الناظِمة لهذه الوسيلة المُهمة من وسائل التسوية النزاعات الدولية. 

مِن المهم بمكان الإشارة لأهم الخصائص المُؤَسِسة لألية الوساطة، فالأخيرة مقارنة بالقضاء الدولي، لا تعد وسيلة إلزامية لتسوية النزاع الدولي بين أطرافه من الدول، ويُمكن تفسير ذلك تأسيسا علي خصائص وأسس ومتطلبات الوساطة ذاتها، فالوسيط الدولي لا يطمح إلي تحقيق مصلحة ذاتية من وراء مبادرته بتقديم مقترحه بالوساطة إلا المساعدة في تسوية النزاع ، وليس ثمة مُوجَب دولي علي الدول أطراف النزاع بقبول وساطة الوسيط الدولي سوي رغبة الدول في تسوية النزاع ومنع تَفاقمه، ولا ُتمثل الوساطة في ذات الوقت تدخل من طرف ثالث في النزاع، حيث يقتصر دور الوسيط الدولي سواء كان دولة أو منظمه دولية أو وساطة مختلطة من دول ومنظمات دولية . 

جَليٌ أن مُقترح الوسيط الدولي على اطراف النزاع الدولي لا يَصير حلاً للنزاع إلا بموافقة كافة الدول المتنازعة على ذلك المقترح، وفي هذا الصدد شدد الأمين العام للأمم المتحدة أمس علي استعداده للقيام بدور الوساطة  الدولية بشرط موافقة الدولتين المتحاربتين روسيا و أوكرانيا .  

تَذخر النزاعات الدولية بالأمثلة الكثيرة التي رُفضت فيها العروض التلقائية التي قامت بها الدول للوساطة بين الدول المتنازعة، فقد رفضت تركيا الوساطة التي اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية لتسوية النزاع التركي الإسرائيلي علي خلفية حادثة “السفينة مرمرة ” في عام 2010، كما رفضت أثيوبيا وسم الجهود التوفيقية التي قامت بها الولايات المتحدة عامي 2019 و2020 لتسوية النزاع حول سد النهضة بأنها وساطة دولية، ورفضت أثيوبيا مؤخراً الوساطة الرباعية التي اقترحتها السودان وأيدتها مصر لتسوية النزاع المتفاقم حول سد النهضة. 

لقد اعتبرت اتفاقيتي لاهاي لعامي 1899 و1907 الخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية، وضبطت قواعد ممارستها، أن الوساطة هي مجرد مشورة غير الزامية سواء عُرضت تلقائياً من جانب الوسيط الدولي أم بناء على طلب الدول المتنازعة، كما أكدت الاتفاقيتان على أن الوساطة لا تعتبر بحد ذاتها عملا غير وديا، كما أشارت إلي أن الدول يحق لها أن تعرض وساطتها مرة ثانية رغم رفضها أول مرة، وقد تَضمنت المادة الثانية من اتفاقية عام 1907 دعوة الدول المتعاقدة إلي أن تلجأ، وبقدر ما تسمح به الظروف إلي وساطة دولة أو دول صديقة قبل أن تلجأ للحرب كوسيلة لتسوية النزاع آنذاك، أما المادة التاسعة من ذات الاتفاقية فقد أقرّت أنه من المفيد أن تقوم إحدى الدول الأجنبية عن النزاع من تلقاء نفسها بعرض خدماتها الودية ووساطتها بقدر ما تسمح به الظروف دون أن يعتبر مثل هذا العرض بأي حال عملا غير ودي من قبل أي من الدول المتنازعة . 

لقد أشارت مواثيق دولية عديدة إلى آلية الوساطة كوسيله دبلوماسية لتسويه النزاعات بين الدول ومنها على الخصوص ميُثاق منظمة الأمم المتحدة، وميثاق جامعة الدول العربية، ومنظمة الاتحاد الإفريقية وغيرها، وأشارت هذه الصكوك الدولية إلي بواعث وغايات الوساطة الدولية، حيث أكدت أن الوساطة وسيله متميزة تهدف إلي تسهيل إجراء الحوار أي المفاوضات، والتخفيف من حِدة الجفاء بين المتنازعين، والتوفيق بين ادعاءاتهم المتضاربة، ومساعدتهم على إيجاد الحلول الودية والعادلة لمنازعاتهم. 

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

السادية في التعامل مع أهل غزة: حين يتحول الإيذاء إلى سياسة ممنهجة

الأول نيوز – [صلاح ابو هنود] مخرج و كاتب منذ ما يزيد على 17 عامًا، …