التبنّي الحقيقيّ

الخوري أنطوان الدويهيّ –

 

الأول نيوز – في زيارة لدار للأيتام، تأثَّر الزوَّار كثيرًا من رؤية أطفال لقطاء أو يتامى ليس لديهم أهل يهتمُّون بهم. وشدَّدت المسؤولة عن دار الأيتام في حديثها لها على ظلم المجتمع الذي جعل مثل هؤلاء الأولاد يعيشون البؤس طوال حياتهم. فهم يتعلَّمون في مدرسة مع أطفال يأتي والدوهم ليصطحبوهم إلى بيوتهم الخاصَّة، بينما هم قابعون في تلك الدار تهتمُّ بهم جميعًا حاضنة أو اثنتان. وعندما يصبحون بعمر السادسة ينتقلون إلى مؤسَّسة أخرى لتهتمَّ بهم حتَّى الثامنة عشرة من عمرهم ثمَّ يُتركون وحدهم ليقرِّروا الحياة التي يريدون. بعدما تأقلموا في الدار الأولى ينسلخون عنها بعمر السادسة، ليبدأوا حياة جديدة في دار جديدة، وبعد أن يتأقلموا مجدَّدًا في الدار الثانية حتَّى ينسلخوا عنها إلى مجتمع لا يرحم وهم ما زالوا رخصي العود، دون سند أو بيت يأويهم، والعار يلازمهم طوال حياتهم إذ يدوَّن على هويَّتهم أنَّهم لقطاء وأهلهم مجهولون. وعندما سُئلت مسؤولة الدار عن التبنّي، أجابت أنَّ قانون ذلك البلد يمنع تبنّي الأولاد.

أثنى جميع الزوَّار على دور تلك المؤسَّسة في احتضان هؤلاء الأولاد وتأسَّفوا على مصيرهم المجهول الذي ينتظرهم بعدما يتركون تلك المؤسَّسة في السادسة من عمرهم إلى مؤسَّسة أخرى تُعنى بهم إلى سنِّ الثامنة عشرة ثمَّ يُرمون في المجتمع دون حضانة أو حصانة معرَّضين، لاسيَّما الفتيات منهم، لظلم المجتمع.

وخلال الاستراحة وشرب القهوة، وقع جدال كبير بين شخصين يختلف دين أحدهما عن الآخر. أحدهما مع فكرة تبنّي الأولاد اليتامى أو اللقطاء وراح يدافع عنها بشدَّة، بينما الآخر يرفض فكرة التبنّي قطعيًّا لأسباب عديدة أبرزها على الإطلاق السبب الوراثيّ، دون أن نغفل عن أسباب أُخرى ولاسيَّما السبب النفسيّ عندما يكتشف الطفل المتبنَّى أنَّ أبويه ليسا هما أبويه الطبيعيَّين.

أمّا ذاك الذي تكلَّم على ضرورة التبنّي فشدَّد على أنَّ الولد المتبنَّى يحصل على الأقلّ على اسم وكنية وبيت حاضن وأهل يعاملونه معاملة الأهل لأولادهم، وهذه أمور تحفظ اللقيط أو اليتيم من الضياع والتشرُّد فلا يعيش حياته كلَّها يتحمَّل وزر ما ارتكبه والداه من جرم ضدَّه على حدِّ القول المأثور: “الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يُضرسون”.

وبما أنَّ التبنّي هو موضوع الجدال بين ذينك الشخصين، أنقل هذه الأقصوصة التي تُظهر المعنى الحقيقيّ للتبنّي:

بينما كانتِ المعلِّمةُ تشرَحُ عن الأسرَةِ وأبعادِها أمامَ صورَةٍ تُمثِّلُ أبًا وأمًّا وثلاثةَ أولاد، لاحظَ تلميذٌ أنَّ لون بشرة أحدِ الأولادِ الثلاثةِ داكنَة. فسألَ المعلِّمَة:

– لماذا لون بشرة هذا الولد مُغايِرٌ عن أخوَيه؟

– هو ولدٌ تبنّاهُ هذان الأبوان.

– ولكن ما معنى تبنّاه أبواه؟

فقامَتْ فتاةٌ وقالَتْ للمعلِّمَة:

– هل أستطيعُ أن أشرحَ لرفيقي ما مِعنى ولدٌ مُتبنّى، فأنا ابنةٌ مُتبنّاة؟

– بالطبع تستطيعين.

– عندما تحمِلُنا أمُّنا التي تبنَّتنا في قلبِها وليسَ في حشاها.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

امتحان الرياضيات: مشكلة أم أزمة؟

د. ذوقان عبيدات – الأول نيوز –   في الأردن اعتدنا أن نختصر القضايا والأحداث، …