أيمن سلامة –
الأول نيوز – شَدّد أمس المندوب الدائم للأردن لدى الأمم المتحدة السفير محمود الحمود، على إن الأردن لم تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1950، وأضاف الحمود ردًّا على مداخلة المندوب الإسرائيلي، إن ما حصل عام 1950 هو اتحاد بين ضفتي نهر الأردن لممارسة الفلسطينيين الحق في تقرير المصير، وكان نصف الحكومة الأردنية من الضفة الغربية.
ما انفكت إسرائيل حتي اللحظة الآنية تتطاول تطاولا كالحا ، وتزعم أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق علي مدينة القدس، وتدفع بأن القدس شأنها شأن الأراضي الفلسطينية المحتلة لم تخضع لسيادة دولة ذات سيادة، ومن ثم تعدم إسرائيل في هذا الصدد انطباق قانون الاحتلال وسائر المواثيق الدولية للقانون الدولي الإنساني علي مدينة القدس المحتلة.
اتخذت اسرائيل منذ أكتوبر عام 1967 موقفا ثابتا مفاده أن اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة في 12 أغسطس عام 1949 ، هي بحكم القانون لا تنطبق على الضفة للغربية الغربية وقطاع غزة و القدس ، وأن إسرائيل تقوم بأعمال ” الإدارة ” في الضفة الغربية ، وبالتالي فإنها لا تدخل في نطاق اتفاقية جنيف الرابعة وقانون الاحتلال الناجم عن الحرب، كما قامت بتطوير نظرية “صاحب الحق الغائب” لتعزيز حججها بعدم الامتثال لاتفاقية جنيف الرابعة وقانون الاحتلال الناجم عن الحرب .
زعمت إسرائيل بأنه نظرا لأن مصر والأردن لم تكونا الدولتين صاحبتي السيادة المشروعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل عام 1967 نظرا لعدوانهما غير القانوني المزعوم على إسرائيل في عام 1948 ، لذلك فإن تلك المناطق لا يمكن ان تكون تابعة لأحد “الأطراف السامية المتعاقدة “. وفقا لهذا التفكير، فإن الوضع القانوني لإسرائيل في الأرض المحتلة هو أنها دولة تقوم بصفة قانونية بالسيطرة على الأراضي نظرا لعدم تمكن أية دولة أخرى من القيام بذلك على نحو أفضل .
إلا أنه تم الرد وبقوة على الادعاءات الإسرائيلية في هذا الخصوص من قبل فقهاء و أساتذة القانون الدولي الذين وصفوها بأنها “متكلفة ومصطنعة في طبيعتها” ، ولا تحظى باحترام “المـؤهلين تأهيلا عاليا” أو “المجتمع الدولي المنظم” ، كما أنها لم تتلق أي دعم من المجتمع الدولي .
حين أصدر الكنيست الإسرائيلي تشريعه الأخرق ” القانون الأساسي ” في عام 1980باعتبار القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ، صوت مجلس الأمن ضد التشريع الإسرائيلي الأخرق ، وكانت نتيجته 14 مقابل لا شيء مع امتناع عضو واحد عن التصويـت ، وألقى مجلس الأمن باللوم على إسرائيل لقيامها بسن “القانون الأساسي” المتعلق بالقدس ، والذي تبين أنه يشكل انتهاكا للقانون الدولي ولا يؤثر على استمرار تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة . وتقرر عدم الاعتراف بالقانون الأساسي وغيرها من الأعمال التي تسعى إلى تغيير طابع ووضع القدس ، وبالمثل ، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت مجددا على أن إسرائيل ملزمة بالالتزامات الواردة في اتفاقية جنيف الرابعة فيما يخص الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ولعله من الأهمية بمكان هنا ذكر تعبير محكمة العدل الدولية في هذا الصدد ، والذي أكد من جديد على الأهمية القصوى للقانون الإنساني الدولي .
وهكذا فإن امتثال إسرائيل لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس عام 1949 ليس مبني على أساس اختياري لتفسيرات أحادية الجانب ، ولذلك فإن حصر الأنشطة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تنتهك اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس عام 1949 وغيرها من أحكام القانون الدولي ذات الصلة ستشكل قائمة طويلة نظرا لأن إسرائيل انتهكت تقريبا كل حكم من أحكام اتفاقية جنيف الرابعة.
حين نازعت إسرائيل في مدى قابلية هذه الاتفاقية للتطبيق على الأراضي الفلسطينية المحتلة ذكرت المحكمة بأن اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس عام 1949 قد صادقت عليها إسرائيل في السادس من شهر يوليو سنة 1951، وأن الأردن طرف أيضا في هذه الاتفاقية منذ التاسع والعشرين مايو عام 1951، وأن أيا من الدولتين لم تتحفظ على أي حكم من أحكام الاتفاقية.
صَدحت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري المتعلق بالآثار القانونية عن تشييد جدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة ” عام 2004، و أشارت بين فقرات عديدة مسجلة الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي الإنساني إلي : ( ……..و خط الهدنة بين القوات الإسرائيلية والعربية بموجب اتفاق الهدنة المؤرخ 3أبريل 1949 بين إسرائيل والأردن، والمشار إليه “بالخط الأخضر” ) ، وفي نهاية تحليلها، تلاحظ المحكمة أن إسرائيل احتلت في عام 1967 الأراضي الواقعة بين الخط الأخضر والحدود السابقة لفلسطين زمن الانتداب خلال النزاع المسلح بين إسرائيل والأردن، وبموجب القانون الدولي العرفي، كانت هذه الأراضي بناءً علي ذلك أراض محتلة وكان لإسرائيل فيها وضع السلطة القائمة بالاحتلال، ولم تعمل الأحداث اللاحقة في تلك الأراضي على تغيير هذا الوضع ، وتستنج المحكمة أن جميع هذه الاراضي (بما فيها القدس الشرقية) مازالت أراض محتلة ومازالت إسرائيل لها وضع السلطة القائمة بالاحتلال .
شرعت إسرائيل منذ عام 1967 ، في حملة منتظمة لاغتصاب الأراضي الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بغرض إنشاء مستعمرات يهودية حصرا ، هذا ويتم تنفيذ هذه الحملة غير القانونية من خلال محورين : المحور الأول هو الضم في القدس الشرقية المحتلة وما حـولها ، والمحور الثاني هو سياسات المصادرة في بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة ، كما أصدرت الحكومة الاسرائيلية عددا من القوانين التي وسعت من نطاق اختصاص القانون المحلي ليشمل القدس الشرقية المحتلة وضم المدينة في انتهاك واضح للقانون الدولي .
إن كل هذه الأنشطة تشكل وبصورة واضحة انتهاكا لاتفاقية جنيف الرابعة ، فالمادة 47 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 أغسطس عام 1949تجعل ضم الأراضي المحتلة عملا غير شرعيا ، وبالمثل فإن المادة 147 من الاتفاقية تعتبر أي تدمير واغتصاب للممتلكات على نحو لا تبرره الضرورة العسكرية ويتم تنفيذه بصورة غير مشروعة على أنه “انتهاك جسيم” ، كما تفرض المادة 146 من الاتفاقية تفرض على الأطراف السامية المتعاقدة على سن عقوبات جزائية فعّالة على الأشخاص الذين ارتكبوا أو أمروا بارتكاب “انتهاكات جسيمة” للاتفاقية .