أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – تابعت مداخلات القراءة الأولى – لأعضاء في مجلس النواب – لمشروع قانون الموازنة الذي قدمته الحكومة يوم الاثنين بوساطة وزير المالية محمد العسعس، لم يتجرأ نائب واحد على مدح الموازنة بل كال لها الجميع إنتقادات قاسية لم يسلم وزير المالية أيضا من التلطيش بعبارات أكثر قساوة.
الآن؛ مشروع قانون الموازنة في عهدة اللجنة المالية، التي ستناقشه مع مختلف رؤساء المؤسسات والقطاعات الاقتصادية، ثم يعاد المشروع إلى البرلمان لتبدأ الخطابات النيابية، التي تتوسع عادة في انتقاد الحكومة عمومًا، والرئيس تحديدًا، لكن يعرف الجميع أن الحكومة ستفوز في النهاية، “أوسعتهم شتما وفازوا بالإبل…” وقد تصل الأصوات المؤيدة لمشروع الموازنة بحدود الـ 100، فلا داعي للصراخ من الآن أرجوكم!.
نحن إزاء حالة أصبحت تقليدية، موازنة تقليدية، وخطاب تقليدي، وثقة تقليدية، لذلك يجب التوقف عن التكسب الشعبي الذي يستغله بعض النواب، لأن خطاباتهم لم تعد تصل إلى ناخبيهم، الذين للأسف أيضًا؛ لا يتعلمون من تجاربهم، فيعيدون تجريب المجرب، مع أن المثل العربي واضح…، فينتخبون مرة أخرى أكثر من 70 % من الذين ينتقدونهم صباح مساء.
للحقيقة والمصداقية، تسمع تحت القبة كلمات عميقة ودقيقة، واعية لأحوال الموازنة والبرامج والسياسات الاقتصادية، تقدم أفكارًا، واقتراحات مهمة، على الحكومة أن تأخذ بها، برغم أن هذه الكلمات على عمق تأثيرها وصداها تضيع أمام خطابات شعبوية اتهامية، لكن على قاعدة “مقاتلة الناطور.. وعدم البحث عن العنب”.
لا يمكن أن تبقى خيارات الحكومة والموازنات العامة للدولة معتمدة، فقط، على جيب المواطن والقروض الخارجية، والحصول على شهادة حسن سلوك من صندوق النقد الدولي، حتى نجد من يقرضنا.
لا يمكن لأية دولة أن يستقيم حالها إذا بقيت قراراتها وخططها كلها معتمدة على خطة يتيمة، وعدم وجود خطط أخرى يُفترض الانتقال إليها عند الأزمات.
ولا أعتقد أن عاقلًا واحدًا قد يتجرأ فيقول: إننا لا نمر بأزمات مفصلية تحتاج إلى حكمة أبناء الوطن جميعهم، من داخل “السيستم” أو من خارجه.
لن يجرؤ النواب على إسقاط قانون الموازنة، فعرفًا، على الحكومة التي تفشل في الحصول على ثقة في مشروع قانون موازنتها، أن تقدم استقالتها فورًا، ونحن نعرف الآن أن عمر الحكومة مرتبط بعمر مجلس النواب، ولن يتم الفصل بينهما بإسقاط واحد وإبقاء الآخر.
لست متخصصا في الاقتصاد، لكن شعار العالم الآن: اقترض ولا تسدد.. بل ارفع سقف الاقتراض.
الرخاء الاقتصادي للدول الصناعية الكبرى بُني على باطل من التقديرات الاقتصادية الكاذبة، وهذا يعيد إلى الذاكرة نكتة أكررها دائما، توضح كيف أن الاقتصاد العالمي بُني على خدعة الاقتراض والوهم.
يُحكى أن سائحا أمريكيا ذهب إلى فندق في إحدى الدول، وطلب غرفة، ووضع أمام صاحب الفندق 100 دولار، وطلب معاينة الغرف لاختيار واحدة.. فأعطاه الموظف المفاتيح ثم أخذ المئة دولار وخرج ليسدد بها دينا للجزار، فأخذ الجزار المئة دولار وتوجه إلى تاجر المواشي وسددها من حساب دين عليه، فتناول تاجر المواشي المئة دولار وذهب إلى تاجر الأعلاف ليسدد ثمن علف اشتراه، فالتقط تاجر العلف المئة دولار وتوجه إلى امرأة “بنت ليل” فدفع لها المبلغ لقاء خدمات سابقة، فتناولت المرأة المئة دولار وسارعت إلى صاحب الفندق لتسديد أجرة غرف استأجرتها لزبائنها في أيام سابقة، ففرح صاحب الفندق بالمئة دولار، وهنا نزل السائح الأمريكي وقال لصاحب الفندق إن غرف الفندق لم تعجبه، واستعاد المئة دولار وانصرف.
الدايم الله….