الأيادي المرتعشة لن تصنع مستقبلًا

عبداللطيف المناوي –

 

الأول نيوز – أذكر دردشة كانت مع أحد المسؤولين الكبار وقتها عن عدم حماسه لاتخاذ قرار يعتقد هو نفسه أنه إيجابى وللصالح العام ومع ذلك لا يتخذه، وقتها قال لى مبتسمًا ابتسامة الفاهم: «لأنضم إلى قائمة المسؤولين الكبار الذين فى السجن أو يخضعون الآن للتحقيق؟». وأضاف مستدركًا: «نعم هو قرار صحيح الآن، ولكن لا أضمن بعد عشر سنوات أجد نفسى محل اتهام أو وراء القضبان».. هذا هو هاجس كل مسؤول اليوم عليه اتخاذ قرار. السلامة الشخصية أولًا وقبل كل شىء. أما المصلحة العامة فلها ربٌّ يحميها. وإذا فكرنا فى هذا المنطق لا نستطيع إلا أن نراه منطقًا إنسانيًا صحيحًا. فمن لديه الاستعداد ليغامر بنفسه وسلامته وسمعته ليتخذ قرارًا قد يُحاسب عليه يومًا ما.

قالت دراسة للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية إنه عقب أحداث 25 يناير ازدادت ظاهرة «الأيدى المرتعشة» بين المسؤولين الحكوميين بالدولة. وذلك لأسباب بديهية. كلما نظر مسؤول حالى إلى سابقيه وجدهم إما مسجونين أو محل اتهام فى أمور معظمها ليست محل مساءلة، بل كانت لأنه اتخذ قرارًا اعتقد أنه فى صالح العمل حتى لو كان لا يتطابق تمامًا مع اللوائح.

وعرَّفت الدراسة هذه الظاهرة بأنها «تأجيل المسؤول الحكومى الكثير من القرارات المهمة وعدم البت فيها بسبب اعتبارات المساءلة القانونية والخوف من اتهامات الأجهزة الرقابية أكثر من مراعاته حسابات المصالح الحقيقية».

وبالتالى ينتج عن ذلك تأجيل القرارات وترحيلها وعدم البت فيها، مما يؤدى إلى تفشى الروتين وكثرة الإجراءات والتصاريح، وهو ما يفتح الباب أمام ممارسات الفساد.

أبرز أسباب تفاقم ظاهرة الأيدى المرتعشة أن بعض مواد قانون العقوبات بشأن جرائم التربح والإضرار العمدى وغير العمدى بالمال العام تنطوى على امتداد العقاب للموظف العام حتى ولو لم يحصل على منفعة لنفسه.

أيضًا تقف البلاغات الكاذبة وبسوء القصد كأحد أسباب ارتعاش الأيدى، ذلك أن جهات متعددة تتعامل مع هذه البلاغات بشكل يُرهب المسؤولين أو بعضهم. الاعتداد بمثل هذه البلاغات وعدم وجود ضوابط فى التعامل معها يؤدى إلى إعاقة مسيرة العمل، وإضعاف الموظف العام والمسؤول الإدارى. من بين الضوابط المهمة ضرورة تشديد العقوبة الخاصة بجريمة البلاغ الكاذب حال ارتكابها بهدف هزَّ الثقة فى الوظيفة العامة وإرهاب المسؤولين.

الهدف الأساسى يجب أن يكون تقوية موقف الموظف العام، خاصة فى المناصب العليا، وإفساح المجال له فى الإدارة، وإطلاق روح المبادرة لديهم.

يجب أن يختفى مشهد المستشار أو الموظف الكبير أو الصغير الذى يضع كل العقد القانونية واللائحية أمام المسؤول ليرهبه من اتخاذ قرار يراه مخالفًا حتى لو كان فيه مصلحة عامة، ثم يُنهى كلامه بعد وصلة «الترويع» مع ابتسامة صفراء قائلًا: «لكن الرأى والقرار الأخير لمعاليك».

الأمر الأكيد أن الأيادى المرتعشة لا تصنع قرارًا أو مستقبلًا.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

المغفور له الملك الحسين علاقته بالصحافة

الأول نيوز – شفيق عبيدات بمناسبة ذكرى ميلاد المغفور له جلالة الملك الحسين بن طلال …