مقالات مشابهة
أسامة الرنتيسي –
الأول نيوز – في الوقت الذي وقف فيه العالم جميعه على رموش الأعين متألما للكارثة الإنسانية التي وقعت في تركيا وسورية بسبب الزلازل، هناك من يحاول أن يسند ما حدث إلى عقلية المؤامرة التي تسكنه، بأن هذا الحدث جاء بفعل مدروس ومدبر.
الويل لعقول من تسكنها هذه النظرية كيف لها أن تسبح في ملكوت الكون وتتحدث في تسجيلات مصورة، تدخل بطن الشبكة العنكبوتية وتنتشر كالنار في الهشيم.
أشخاص يزعمون أنهم يحملون لقب دكتور يخرجون علينا بكل ثقة ويعلنون أن هذا الزلزال المدمر هو حدث مدبر من قبل أميركا وإسرائيل لضرب تركيا إستعدتا له منذ سنتين.
هكذا هو، مثلما كانت الكورونا فعلا مدبرا وخبيثا، ها هو الزلزال جاء نتيجة فعل مدبر بعد قنبلة نووية فجرتها أميركا في عمق الأرض التركية فحدث الزلزال بقوة أعلى من “7” على مقياس ريختر.
وصلت الفيديوهات وانتشرت، وهناك للأسف من يفرودها بين مجموعات مشتركين فيها على اعتبار أنهم قد حصلوا على سبوقات صحافية وعلمية.
لم نتخلص بعد من لوثات عقلية المؤامرة أن كورونا بفعل فاعل، ولا يزال بعض الناس يشككون في التطعيم، على اعتبار أنه ترياق خبيث يريدون من ورائه أن يقضوا على كبار السن حتى تنخفض أعدادهم في العالم.
في أيام الكورونا ظهرت أشكال عديدة من طرق التفكير، هناك من يؤمن حتما أنها معركة بيولوجية ونحن فقط فئران تجارب، وهي بين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين في العالم أميركا والصين.
أيُعقل أن بيننا من لا يزال حتى الآن يتحدث عن اللعب في الجينات، وموت كل المُطَعمين بعد عامين، وعن مؤامرة الخلاص من كبار السن.
نعرف جيدًا أن منطقتنا العربية تمر بمرحلة من أشد مراحلها حِلكَة وسوادًا في تغييب العقل، والمنطق، والعلم، وانتشار الجهل بعناوين عريضة، لا تسيء فقط لعروبتنا وإنسانيتنا، بل تسيء عن جهل وتقصد إلى حضارتنا التي فاخرنا بها الدنيا في فترات ما.
في هذه الأيام، زاد تغييب العقل أكثر وأكثر، وأصبحت بلاد الرافدين والحضارة الممتدة لآلاف السنين، والعراق الذي استثمر في الإنسان، تعليمًا وصناعة وحضارة، مختطفة أيضا من قبل دعاة الجهل، وأصبح العقل العربي مُغيبًا، أمام أخبار الجماعات المتطرفة.
نحتاج أكثر ما نحتاج إليه هذه الأيام، إلى تغليب العقل في رؤية كل شيء، وتغليب الفكر العلمي المتقدم على فكر الطوائف والمِلَل، وتعظيم الوطنيات القومية والإنسانية والأممية.
نحتاج إلى مراكز دراسات محترمة تنشط لتفكيك العزلة عن العقل العربي المُغيّب في غياهب جهل تضر بحياتنا ومستقبلنا.
نحتاج من مفكرينا أن ينشطوا أكثر هذه الأيام، لتعظيم الفكر العلمي التقدمي الإنساني، وألّا يتركوا الساحة لفكر التجهيل والتضليل.
نحتاج من مؤسسات الإعلام جميعها عدم الانحياز إلى الفكر المنغلق، بل إلى محاربته…
بالمناسبة؛ حتى من تجرأ وقال وكتب ونشر أن هذا الزلزال جاء بفعل إنتشار وتوسع ذنوب البشر عليه أن يخاف الله في صرخة طفل أو نداء إمرأة أو صوت شيخ من تحت الانقاض ولم تصل لهم يد المساعدة.
الدايم الله….
