اعتراف أمام تمرين الموت!

هالة داوود –

 

الأول نيوز – زلازل وكوارث طبيعية ومجازر وتفجيرات وأسلحة كيميائية،  من صنع اليشر .

أعترف أنني فاشلة في مواجهتها جميعًا،

أتقوقع على نفسي ويرهقني العجز، يجف حبر قلمي، فلم أعد قادرة على الكتابة. جبانة، أنا أمام هذا الكم الكبير من الموت ….. موتٌ كأنه مارد أسود بشع يغرف الأنفس بيد كبيرة سوداء أو بوعاء ممزق كبير.

يقتلع الأطفال والنساء والرجال من بيوتهم وأماكنهم من دون رحمة.

 فاشلة أنا في مواجهة هذا الألم وهذا الوجع،

تُسحب مني أقلامي وأوراقي وتختفي،  وكأن شبح الموت له جيش وجنود ينتشرون بيننا ليسلبوا منا قوانا وحبر أقلامنا وينفخون ريحًا بشعة في أدمغتنا فتصير خاوية، وتحوم في أروقة أنفسنا صرخات من يبحثون تحت الركام عن بقايا أحبتهم.

زلزالٌ هنا ومصيبةٌ أخرى هناك ….. ولكن ما يؤلم نفسي أكثر من أي شيءٍ آخر هو تصنيف الإنسانية الذي بات يتكشف أمامنا ببشاعة كلما ألمت بنا مصيبة كهذه… فمنهم من يترحم على السوريين واللبنانيين من دون  الأتراك، ومنهم من لا يترحم أساسًا، لأن هذا عقاب السماء…. ومنهم من يترحم على فئة قليلة من المكلومين والمفقودين حسب هُويتهم وديانتهم وعشيرتهم أو ربما لون أغلفة أجوزة سفرهم.

هنا تختبئ الخيبة الكبيرة، وهنا تكمن المصيبة العظمى، إننا من بيوتنا وفي أمننا وأماننا نصنف الرحمات ونصرفها على أهوائنا …. ما زلنا قبل أن نقرر الدعاء نطلب الهُوية …. وقبل أن تدمي القلوب في صدورنا حزنا وألمًا نتساءل هل هذا الطفل سوري أم تركي؟

تبًا لكل من يكيل الرحمة بمكيالين وسحقًا لمن تنقسم الإنسانية لديه إلى رتب ومقامات .

جرب هذا التمرين لتحدد كيف ستشعر وأنت تتخيل الموت وهو يقترب منك ويصل لأنفك …. وكيف ستتحكم في إنسانيتك بعدها …. ادفن رأسك تحت غطائك الصوفي الدافئ لمدة خمس دقائق وتخيل طفلًا أو رجلًا أو امرأة تحت الانقاض ينتظر أن تمتد له يدًا … تقترب منه لترد إليه حياته من جديد.

أنا والكثيرون مثلي لا نستطيع تحمل النظر إلى المشاهد المؤلمة المروعة، لأنني فقط لا أستطيع تحمل هذا القدر من الوجع والألم ولأن خيالي يدخلني تحت الأنقاض وابدأ بسماع أصواتهم وأنينهم ودقات قلوبهم وأرى الغبار والسواد على وجوههم ورموش أعينهم والخوف النابض منهم يصم أذني .

لذلك لا أنظر أبدًا واختبئ كثيرًا وأدعو لهم بالرحمة والقوة وأدعو أيضًا للقاسية قلوبهم بالهداية.

عن الأول نيوز

شاهد أيضاً

الفوسفات… حين تتحوّل الأرقام إلى قصيدة نجاح

الأول نيوز – د. عبدالمهدي القطامين ثمة أرقام تمرّ في سجلات الاقتصاد مرور السحاب، وأخرى …